رأيتك تبني جاهدا في قطيعتي ... فلو كنت ذا إرب لهدمت ما تبني
تثير على الباقين مجنى ضغينة ... فويل لهم إن مت من شر ما تجنى!
كأني بهم والليت افضل قولهم ... الا ليتنا والليت إذ ذاك لا يغني
كفرت يدا من منعم لو شكرتها ... جزاك بها الرحمن ذو الفضل والمن
قَالَ: فلم يزل الوليد مقيما في تلك البرية حتى مات هشام، فلما كان صبيحة اليوم الذي جاءته فيه الخلافة، أرسل إلى أبي الزبير المنذر بْن أبي عمرو، فأتاه فقال له.
يا أبا الزبير، ما أتت علي ليلة منذ عقلت عقلي أطول من هذه الليلة، عرضت لي هموم، وحدثت نفسي فيها بأمور من أمر هذا الرجل، الذي قد أولع بي- يعني هشاما- فأركب بنا نتنفس، فركبا، فسارا ميلين، ووقف على كثيب، وجعل يشكو هشامًا إذ نظر إلى رهج، فقال:
هؤلاء رسل هشام، نسأل الله من خيرهم، إذ بدا رجلان على البريد مقبلان، أحدهما مولى لأبي محمد السفياني، والآخر جردبة.
فلما قربا أتيا الوليد، فنزلا يعدوان حتى دنوا منه، فسلما عليه بالخلافة، فوجم، وجعل جردبة يكرر عليه السلام بالخلافة، فقال: ويحك! أمات هشام! قَالَ: نعم، قَالَ فممن كتابك؟ قَالَ: من مولاك سالم بْن عبد الرحمن صاحب ديوان الرسائل فقرا الكتاب وانصرفا، فدعا مولى أبي محمد السفياني فسأله عن كاتبه عياض بْن مسلم، فقال: يا أمير المؤمنين، لم يزل محبوسا حتى نزل بهشام أمر الله فلما صار في حد لا ترجى الحياة لمثله أرسل عياض إلى الخزان، أن احتفظوا بما في أيديكم، فلا يصلن أحد منه إلى شيء وأفاق هشام إفاقة، فطلب شيئا فمنعوه فقال: أرانا كنا خزانا للوليد! ومات من ساعته وخرج عياض من السجن، فختم أبواب الخزائن، وأمر بهشام فأنزل عن فرشه، فما وجدوا له قمقما يسخن له فيه الماء حتى استعاروه، ولا وجدوا كفنا من الخزائن، فكفنه غالب مولى هشام، فكتب