فلما استيقن أبو مسلم أن كلا الفريقين قد أثخن صاحبه، وأنه لا مدد لهم، جعل يكتب الكتب إلى شيبان، ثم يقول للرسول: اجعل طريقك على المضرية، فإنهم سيعرضون لك، ويأخذون كتبك، فكانوا يأخذونها فيقرءون فيها: إني رأيت أهل اليمن لا وفاء لهم ولا خير فيهم، فلا تثقن بهم ولا تطمئن إليهم، فإني أرجو أن يريك الله ما تحب، ولئن بقيت لا أدع لهم شعرا ولا ظفرا.
ويرسل رسولا آخر في طريق آخر بكتاب فيه ذكر المضرية وإطراء اليمن بمثل ذلك، حتى صار هوى الفريقين جميعا معه، وجعل يكتب إلى نصر بْن سيار وإلى الكرماني: إن الإمام قد أوصاني بكم، ولست أعدو رأيه فيكم.
وكتب إلى الكور بإظهار الأمر، فكان أول من سود- فيما ذكر- اسيد ابن عبد الله بنسا، ونادى: يا محمد، يا منصور وسود معه مقاتل بْن حكيم وابن غزوان، وسود أهل أبيورد وأهل مرو الروذ، وقرى مرو.
وأقبل أبو مسلم حتى نزل بين خندق نصر بْن سيار وخندق جديع الكرماني، وهابه الفريقان، وكثر أصحابه، فكتب نصر بن سيار الى مروان ابن محمد يعلمه حال أبي مسلم وخروجه وكثرة من معه ومن تبعه، وأنه يدعو إلى إبراهيم بْن محمد، وكتب بأبيات شعر:
أرى بين الرماد وميض جمر ... فأحج بأن يكون له ضرام
فإن النار بالعودين تذكى ... وإن الحرب مبدؤها الكلام
فقلت من التعجب: ليت شعري ... أأيقاظ أمية أم نيام!
فكتب إليه الشاهد يرى ما لا يرى الغائب، فاحسم الثؤلول قبلك، فقال نصر: أما صاحبكم فقد أعلمكم ألا نصر عنده فكتب إلى يزيد بْن عمر بْن هبيرة يستمده، وكتب إليه بأبيات شعر:
أبلغ يزيد وخير القول أصدقه ... وقد تبينت الأخير في الكذب