للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَامَ مُوسَى يُنَاشِدُ رَبَّهُ وَيَدْعُوهُ، وَيَرْغَبُ إِلَيْهِ وَيَقُولُ: «رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ» قد سفهوا، افتهلك مَنْ وَرَائِي مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا فَعَلَ السفهاء منا! ان هذا هلاك لهم اخْتَرْتُ مِنْهُمْ سَبْعِينَ رَجُلًا الْخَيِّرَ فَالْخَيِّرَ، أَرْجِعُ إِلَيْهِمْ وَلَيْسَ مَعِي رَجُلٌ وَاحِدٌ، فَمَا الَّذِي يُصَدِّقُونَنِي بِهِ! فَلَمْ يَزَلْ مُوسَى يُنَاشِدُ رَبَّهُ، وَيَسْأَلُهُ وَيَطْلَبُ إِلَيْهِ حَتَّى رَدَّ إِلَيْهِمْ أَرْوَاحَهُمْ، وَطَلَبَ إِلَيْهِ التَّوْبَةَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عِبَادَةِ الْعِجْلِ، فَقَالَ: لا، إِلَّا أَنْ يَقْتُلُوا أَنْفُسَهُمْ وَقَالَ: فَبَلَغَنِي أَنَّهُمْ قَالُوا لِمُوسَى: نَصْبِرُ لِأَمْرِ اللَّهِ، فَأَمَرَ مُوسَى مَنْ لَمْ يَكُنْ عَبَدَ الْعِجْلَ أَنْ يَقْتُلَ مَنْ عَبَدَهُ، فَجَلَسُوا بِالأَفْنِيَةِ، وَأَصْلَتَ عَلَيْهِمُ الْقَوْمُ السُّيُوفَ، فَجَعَلُوا يَقْتُلُونَهُمْ، وَبَكَى مُوسَى وَبَهَشَ إِلَيْهِ الصِّبْيَانُ وَالنِّسَاءُ يَطْلُبُونَ الْعَفْوَ عَنْهُمْ، فَتَابَ عَلَيْهِمْ وَعَفَا عَنْهُمْ، وَأَمَرَ مُوسَى أَنْ يَرْفَعَ عَنْهُمُ السَّيْفَ.

وَأَمَّا السُّدِّيُّ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي خَبَرِهِ الَّذِي ذَكَرْتُ إِسْنَادَهُ قَبْلُ أَنَّ مَصِيرَ مُوسَى إِلَى رَبِّهِ بِالسَّبْعِينَ الَّذِينَ اخْتَارَهُمْ مِنْ قَوْمِهِ بَعْدَ مَا تَابَ اللَّهُ عَلَى عَبَدَةِ الْعِجْلِ مِنْ قَوْمِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ ذَكَرَ بَعْدَ الْقِصَّةِ الَّتِي قَدْ ذَكَرْتُهَا عَنْهُ بعد قوله: «إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ» قَالَ: ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ أَمَرَ مُوسَى أَنْ يَأْتِيَهُ فِي نَاسٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ مِنْ عِبَادَةِ الْعِجْلِ، وَوَعَدَهُمْ مَوْعِدًا، فَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا عَلَى عَيْنِهِ، ثُمَّ ذَهَبَ بِهِمْ لِيَعْتَذِرُوا، فَلَمَّا أَتَوْا ذَلِكَ الْمَكَانَ قَالُوا: «لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً» ، فَإِنَّكَ قَدْ كَلَّمْتَهُ فَأَرِنَاهُ، فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ فَمَاتُوا، فَقَامَ مُوسَى يَبْكِي وَيَدْعُو اللَّهَ وَيَقُولُ: رَبِّ مَاذَا أَقُولُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِذَا أَتَيْتُهُمْ وَقَدْ أَهْلَكْتُ خِيَارَهُمْ! رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ، أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا! فأوحى الله عز وجل إلى موسى: أن هَؤُلَاءِ السَّبْعِينَ مِمَّنِ اتَّخَذَ الْعِجْلَ، فَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ مُوسَى: «إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ» إلى قوله: «إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ» ، يقول:

<<  <  ج: ص:  >  >>