فتكلم فحث على طاعة أمير المؤمنين، وذكر أمر محمد بْن عبد الله فأبلغ.
ومضى ابن عمران إلى السوق، فقام على بلاس من بلس الحنظلة، فتكلم هناك، فتراجع الناس، ولم يصل بالناس يومئذ إلا المؤذن، فلما حضرت العشاء الآخرة وقد ثاب الناس، فاجتمع القرشيون في المقصورة، وأقام الصلاة محمد بْن عمار المؤذن، الذي يلقب كساكس، فقال للقرشيين: من يصلي بكم؟ فلم يجبه أحد، فقال: ألا تسمعون! فلم يجيبوه، فقال: يا بن عمران، ويا بن فلان، فلم يجبه احد، فقام الأصبغ بن سفيان بن عاصم ابن عبد العزيز بْن مروان، فقال: أنا أصلي، فقام في المقام، فقال للناس:
استووا، فلما استوت الصفوف أقبل عليهم بوجهه، ونادى بأعلى صوته:
ألا تسمعون! أنا الأصبغ بْن سفيان بْن عاصم بْن عبد العزيز بْن مروان، أصلي بالناس على طاعة أبي جعفر، فردد ذلك مرتين أو ثلاثا، ثم كبر فصلى، فلما أصبح الناس قَالَ ابن أبي سبرة: إنه قد كان منكم بالأمس ما قد علمتم، نهبتم ما في دار عاملكم وطعام جند أمير المؤمنين، فلا يبقين عند أحد منكم شيء إلا رده، فقد أقعدت لكم الحكم بْن عبد الله بْن المغيرة بْن موهب، فرفع الناس إليه ما انتهبوا، فقيل: إنه أصاب قيمة ألف دينار.
وحدثني عثامة بْن عمرو، قَالَ: حدثني المسور بْن عبد الملك، قَالَ: ائتمر القرشيون أن يدعوا ابن الربيع يخرج ثم يكلموه في استخلاف ابن أبي سبرة على المدينة، ليتحلل ما في نفس أمير المؤمنين عليه، فلما أخرجه السودان، قَالَ له ابن عبد العزيز: أتخرج بغير وال استخلف! ولها رجلا، قَالَ:
من؟ قَالَ: قدامة بْن موسى، قَالَ: فصيح بقدامة، فدخل فجلس بين ابن الربيع وبين ابن عبد العزيز، فقال: ارجع يا قدامة، فقد وليتك المدينة وأعمالها، قَالَ: والله ما قَالَ لك هذا من نصحك، ولا نظر لمن وراءه، ولا أراد إلا الفساد، ولأحق بهذا مني ومنه من قام بأمر الناس وهو جالس في بيته- يعني ابن أبي سبرة- ارجع ايها الرجل، فو الله ما لك عذر في الخروج، فرجع ابن الربيع