وذكر عمر بْن شبة أن محمد بْن معروف بْن سويد حدثه، قَالَ:
حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ مجالد، قَالَ: أفسد أهل الكوفة جند أمير المؤمنين المنصور عليه، فخرج نحو الجبل يرتاد منزلا، والطريق يومئذ على المدائن، فخرجنا على ساباط، فتخلف بعض أصحابي لرمد أصابه، فأقام يعالج عينيه، فسأله الطبيب: أين يريد أمير المؤمنين؟ قَالَ: يرتاد منزلا، قَالَ: فإنا نجد في كتاب عندنا، أن رجلا يدعى مقلاصا، يبني مدينة بين دجلة والصراة تدعى الزوراء، فإذا أسسها وبنى عرقا منها أتاه فتق من الحجاز، فقطع بناءها، وأقبل على إصلاح ذلك الفتق، فإذا كاد يلتئم أتاه فتق من البصرة هو أكبر عليه منه، فلا يلبث الفتقان أن يلتئما، ثم يعود إلى بنائها فيتمه، ثم يعمر عمرا طويلا، ويبقى الملك في عقبه قَالَ سليمان: فإن أمير المؤمنين لبأطراف الجبال في ارتياد منزل، إذ قدم علي صاحبي فأخبرني الخبر فأخبرت به أمير المؤمنين، فدعا الرجل فحدثه الحديث، فكر راجعا عوده على بدئه، وقال: أنا والله ذاك! لقد سميت مقلاصا وأنا صبي، ثم انقطعت عني.
وذكر عن الهيثم بْن عدي، عن ابن عياش، قَالَ: لما أراد أبو جعفر الانتقال من الهاشمية بعث روادا يرتادون له موضعا ينزله واسطا، رافقا بالعامة والجند، فنعت له موضع قريب من بارما، وذكر له عنه غذاء طيب، فخرج إليه بنفسه حتى ينظر إليه، وبات فيه، وكرر نظره فيه، فرآه موضعا طيبا، فقال لجماعة من أصحابه، منهم سليمان بْن مجالد وأبو أيوب الخوزي وعبد الملك بْن حميد الكاتب وغيرهم: ما رأيكم في هذا الموضع؟ قالوا:
ما رأينا مثله، هو طيب صالح موافق، قَالَ: صدقتم، هو هكذا، ولكنه لا يحمل الجند والناس والجماعات، وانما أريد موضعا يرتفق الناس به ويوافقهم مع موافقته لي، ولا تغلو عليهم فيه الأسعار، ولا تشتد فيه المئونة، فإني إن أقمت في موضع لا يجلب إليه من البر والبحر شيء غلت الأسعار، وقلت المادة، واشتدت المئونة، وشق ذلك على الناس، وقد مررت في