في سنة خمس وأربعين ومائة، وقد خرجت فجلست مع الربيع وأصحابه، إذ جاء رجل، فجاوز الحرس إلى المقصورة، فاستأذن فأذنا المنصور به، وكان معه سلم بْن أبي سلم، فأذن له فخبره بخروج محمد، فقال المنصور:
نكتب الساعة إلى مصر أن يقطع عن الحرمين المادة، ثم قَالَ: إنما هم في مثل حرجة، إذا انقطعت عنهم المادة والميرة من مصر قَالَ: وأمر بالكتاب إلى العباس بْن محمد- وكان على الجزيرة يخبره بخبر محمد- وقال: إني راحل ساعة كتبت إلى الكوفة، فأمدني في كل يوم بما قدرت عليه من الرجال من أهل الجزيرة وكتب بمثل ذلك إلى أمراء الشام، ولو أن يرد علي في كل يوم رجل واحد أكثر به من معي من أهل خراسان، فإنه إن بلغ الخبر الكذاب انكسر قَالَ: ثم نادى بالرحيل من ساعته، فخرجنا في حر شديد حتى قدم الكوفة، ثم لم يزل بها حتى انقضت الحرب بينه وبين محمد وإبراهيم، فلما فرغ منهما رجع إلى بغداد وذكر عن أحمد بْن ثابت، قَالَ: سمعت شيخا من قريش يحدث أن أبا جعفر لما فصل من بغداد، متوجها نحو الكوفة، وقد جاءه البريد بمخرج محمد بْن عبد الله بالمدينة، نظر إليه عثمان بْن عمارة بْن حريم وإسحاق بْن مسلم العقيلي وعبد الله بْن الربيع المداني- وكانوا من صحابته- وهو يسير على دابته وبنو أبيه حوله فقال عثمان: أظن محمدا خائبا ومن معه من أهل بيته، إن حشو ثياب هذا العباسي لمكر ونكر ودهاء، وإنه فيما نصب له محمد من الحرب لكما قَالَ ابن جذل الطعان:
فكم من غارة ورعيل خيل ... تداركها وقد حمي اللقاء
فرد مخيلها حتى ثناها ... بأسمر ما يرى فيه التواء
قَالَ: فقال إسحاق بْن مسلم: قد والله سبرته ولمست عوده فوجدته خشنا، وغمزته فوجدته صليبا، وذقته فوجدته مرا، وإنه ومن حوله من بني أبيه لكما قَالَ ربيعة بْن مكدم:
سما لي فرسان كأن وجوههم ... مصابيح تبدو في الظلام زواهر