للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تُخْفِي الصُّدُورُ ولسنا مع ذلك نأمن من حوادث الأمور وبغتات الموت قبل ما ابتدأت به من قطيعتي، فإن تعجل بي أمر كنت قد كفيت مئونة ما اغتممت له، وسترت قبح ما أردت إظهاره، وإن بقيت بعدك لم تكن اوغرت صدري، وقطعت رحمي، ولا أظهرت أعدائي في اتباع أثرك، وقبول أدبك، وعمل بمثالك.

وذكرت أن الأمور كلها بيد الله، هو مدبرها ومقدرها ومصدرها عن مشيئته، فقد صدقت، إن الأمور بيد الله، وقد حق على من عرف ذلك ووصفه العمل به والانتهاء إليه واعلم أنا لسنا جررنا إلى أنفسنا نفعا، ولا دفعنا عنها ضرا، ولا نلنا الذي عرفته بحولنا ولا قوتنا، ولو وكلنا في ذلك إلى أنفسنا وأهوائنا لضعفت قوتنا، وعجزت قدرتنا في طلب ما بلغ الله بنا، ولكن الله إذا أراد عزما لإنفاذ أمره، وإنجاز وعده، وإتمام عهده، وتأكيد عقده، أحكم إبرامه، وأبرم أحكامه، ونور إعلانه، وثبت أركانه، حين أسس بنيانه، فلا يستطيع العباد تأخير ما عجل، ولا تعجيل ما أخر، غير أن الشيطان عدو مضل مبين، قد حذر الله طاعته، وبين عداوته، ينزع بين ولاة الحق وأهل طاعته، ليفرق جمعهم، ويشتت شملهم، ويوقع العداوة والبغضاء بينهم، ويتبرأ منهم عند حقائق الأمور، ومضايق البلايا، وقد قَالَ الله عز وجل في كتابه: «وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ» ووصف الذين اتقوا فقال: «إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ» ، فأعيذ أمير المؤمنين بالله من أن يكون نيته وضمير سريرته

<<  <  ج: ص:  >  >>