لا يقوم رجل هذا المقام إلا أوجعت ظهره، وأطلت حبسه ثم قَالَ: خذه إليك يا ربيع، قَالَ: فوثقنا له بالنجاة- وكانت العلامة فيه إذا أراد بالرجل مكروها قَالَ: خذه إليك يا مسيب- قَالَ: ثم رجع في خطبته من الموضع الذي كان قطعه، فاستحسن الناس ذلك منه، فلما فرغ من الصلاة دخل القصر، وجعل عيسى بْن موسى يمشى على هينته خلفه، فأحس به أبو جعفر، فقال: أبو موسى؟ فقال: نعم يا أمير المؤمنين، قَالَ: كأنك خفتني على هذا الرجل! قَالَ: والله لقد سبق إلى قلبي بعض ذلك، إلا أن أمير المؤمنين أكثر علما، وأعلى نظرا من أن يأتي في أمره إلا الحق، فقال: لا تخفني عليه فلما جلس قَالَ: علي بالرجل، فأتي به، فقال: يا هذا، إنك لما رأيتني على المنبر، قلت، هذا الطاغية لا يسعني إلا أن أكلمه، ولو شغلت نفسك بغير هذا لكان أمثل لك، فأشغلها بظماء الهواجر، وقيام الليل، وتغبير قدميك في سبيل الله، انطه يا ربيع أربعمائة درهم، واذهب فلا تعد.
وذكر عن عبد الله بْن صاعد، مولى أمير المؤمنين أنه قَالَ: حج المنصور بعد بناء بغداد، فقام خطيبا بمكة، فكان مما حفظ من كلامه:«وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ» ، أمر مبرم، وقول عدل، وقضاء فصل، والحمد لله الذي أفلج حجته، وبعدا للقوم الظالمين، الذين اتخذوا الكعبة عرضا، والفيء إرثا، وجَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ، لقد حاق بهم ما كانوا به يستهزئون، فكم ترى من بِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ، أهملهم الله حتى بدلوا السنة، واضطهدوا العترة، وعندوا واعتدوا، واستكبروا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ، ثم اخذهم، ف هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً! وذكر الهيثم بْن عدي، عن ابن عياش، قَالَ: إن الأحداث لما تتابعت