بقين من شوال بعد إضاءة الفجر، وبقي أثره بينا إلى طلوع الشمس، فأوصاه بالمال والسلطان، يفعل ذلك كل يوم من أيام مقامه بالغداة والعشي، لا يفتر عن ذلك، ولا يفترقان إلا تحريكا فلما كان اليوم الذي أراد أن يرتحل فيه، دعا المهدي، فقال له: إني لم أدع شيئا إلا قد تقدمت إليك فيه، وسأوصيك بخصال والله ما أظنك تفعل واحدة منها- وكان له سفط فيه دفاتر علمه، وعليه قفل لا يأمن على فتحه ومفتاحه أحدا، يصر مفتاحه في كم قميصه قَالَ: وكان حماد التركي يقدم إليه ذلك السفط إذا دعا به، فإذا غاب حماد أو خرج كان الذي يليه سلمة الخادم- فقال للمهدي: انظر هذا السفط فاحتفظ به، فإن فيه علم آبائك، ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة، فإن أحزنك أمر فانظر في الدفتر الأكبر، فإن أصبت فيه ما تريد، وإلا فالثاني والثالث، حتى بلغ سبعة، فإن ثقل عليك فالكراسة الصغيرة، فإنك واجد فيها ما تريد، وما أظنك تفعل، وانظر هذه المدينة، فإياك أن تستبدل بها، فإنها بيتك وعزك، قد جمعت لك فيها من الأموال ما إن كسر عليك الخراج عشر سنين كان عندك كفاية لأرزاق الجند والنفقات وعطاء الذرية ومصلحة الثغور، فاحتفظ بها، فإنك لا تزال عزيزا ما دام بيت مالك عامرا، وما أظنك تفعل وأوصيك بأهل بيتك، أن تظهر كرامتهم وتقدمهم وتكثر الإحسان إليهم، وتعظم أمرهم، وتوطئ الناس أعقابهم، وتوليهم المنابر، فإن عزك عزهم وذكرهم لك، وما أظنك تفعل.
وانظر مواليك، فأحسن إليهم وقربهم واستكثر منهم فإنهم مادتك لشدة إن نزلت بك، وما أظنك تفعل وأوصيك بأهل خراسان خيرا، فإنهم أنصارك وشيعتك الذين بذلوا أموالهم في دولتك، ودماءهم دونك، ومن لا تخرج محبتك من قلوبهم، أن تحسن إليهم وتتجاوز عن مسيئهم وتكافئهم على ما كان منهم، وتخلف من مات منهم في أهله وولده، وما أظنك تفعل.
وإياك أن تبني مدينة الشرقية فإنك لا تتم بناءها، وما أظنك تفعل وإياك أن