ثالث، حتى يفتحا الخزانة فلما قدم المهدي من الري إلى مدينة السلام، دفعت إليه المفاتيح، وأخبرته عن المنصور أنه تقدم إليها فيه ألا يفتحه ولا يطلع عليه أحدا حتى يصح عندها موته فلما انتهى إلى المهدي موت المنصور وولي الخلافة، فتح الباب ومعه ريطة، فإذا أزج كبير فيه جماعة من قتلاء الطالبين، وفي آذانهم رقاع فيها أنسابهم، وإذا فيهم أطفال ورجال شباب ومشايخ عدة كثيرة، فلما رأى ذلك المهدي ارتاع لما رأى، وأمر فحفرت لهم حفيرة فدفنوا فيها، وعمل عليهم دكان.
وذكر عن إسحاق بْن عيسى بْن علي، عن أبيه، قَالَ: سمعت المنصور وهو متوجه إلى مكة سنة ثمان وخمسين ومائة، وهو يقول للمهدي عند وداعه إياه: يا أبا عبد الله، إني ولدت في ذي الحجة، ووليت في ذي الحجة، وقد هجس في نفسي أني أموت في ذي الحجة من هذه السنة، وإنما حداني على الحج ذلك، فاتق الله فيما أعهد إليك من أمور المسلمين بعدي، يجعل لك فيما كربك وحزنك مخرجا- أو قَالَ: فرجا ومخرجا- ويرزقك السلامة وحسن العاقبة من حيث لا تحتسب احفظ يا بني محمدا ص في أمته يحفظ الله عليك أمورك وإياك والدم الحرام، فإنه حوب عند الله عظيم، وعار في الدنيا لازم مقيم والزم الحلال، فان ثوابك في الآجل، وصلاحك في العاجل وأقم الحدود ولا تعتد فيها فتبور، فإن الله لو علم أن شيئا أصلح لدينه وأزجر من معاصيه من الحدود لأمر به في كتابه واعلم أن من شدة غضب الله لسلطانه، أمر في كتابه بتضعيف العذاب والعقاب على من سعى في الأرض فسادا، مع ما ذخر له عنده من العذاب العظيم، فقال:
«إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً» الآية فالسلطان يا بني حبل الله المتين، وعروته الوثقى، ودين الله القيم، فاحفظه وحطه وحصنه، وذب عنه، وأوقع بالملحدين فيه، وأقمع المارقين منه، واقتل الخارجين عنه بالعقاب لهم والمثلات بهم، ولا تجاوز ما أمر