وهو في المقصورة التي فيها مجلس الربيع، فأغلق دونهم المقصورة، فضربوا الباب بجرزهم وعمدهم، فهشموا الباب، وكادوا يكسرونه، وشتموه أقبح الشتم، وحصروه هنالك، وأظهر المهدي إنكارا لما فعلوا، فلم يردعهم ذلك عن فعلهم، بل شدوا في أمره، وكانوا بذلك هو وهم أياما، إلى أن كاشفه ذوو الأسنان من أهل بيته بحضرة المهدي، فأبوا إلا خلعه، وشتموه في وجهه، وكان أشدهم عليه محمد بْن سليمان.
فلما رأى المهدي ذلك من رأيهم وكراهتهم لعيسى وولايته، دعاهم إلى العهد لموسى، فصار إلى رأيهم وموافقتهم، وألح على عيسى في إجابته وإياهم إلى الخروج مما له من العهد في أعناق الناس وتحليلهم منه، فأبى، وذكر أن عليه أيمانا محرجة في ماله وأهله، فأحضر له من الفقهاء والقضاة عدة، منهم محمد بْن عبد الله بْن علاثة والزنجي بن خالد المكى وغيرهما، فاتوه بما رأوا، وصار الى المهدى ابتياع ماله من البيعة في أعناق الناس بما يكون له فيه رضا وعوض، مما يخرج له من ماله لما يلزمه من الحنث في يمينه، وهو عشرة آلاف ألف درهم، وضياع بالزاب الأعلى وكسكر فقبل ذلك عيسى، وبقي منذ فاوضه المهدي على الخلع إلى أن أجاب محتسبا عنده في دار الديوان من الرصافة إلى أن صار إلى الرضا بالخلع والتسليم، والى أن خلع يوم الأربعاء لأربع بقين من المحرم بعد صلاة العصر، فبايع للمهدي ولموسى من بعده من الغد يوم الخميس لثلاث بقين من المحرم لارتفاع النهار ثم أذن المهدي لأهل بيته، وهو في قبة كان محمد بْن سليمان أهداها له مضروبة في صحن الأبواب، ثم أخذ بيعتهم رجلا رجلا لنفسه ولموسى بْن المهدي من بعده، حتى أتى إلى آخرهم.
ثم خرج إلى مسجد الجماعة بالرصافة فقعد على المنبر، وصعد موسى حتى كأنه دونه وقام عيسى على أول عتبة من المنبر، فحمد الله المهدي وأثنى عليه، وصلى على النبي ص، وأخبر بما أجمع عليه أهل بيته وشيعته وقواده وأنصاره وغيرهم من أهل خراسان من خلع عيسى بْن موسى وتصيير الأمر الذي كان عقد له في أعناق الناس لموسى بْن أمير المؤمنين، لاختيارهم له ورضاهم به، وما رأى من إجابتهم إلى ذلك، لما رجا من مصلحتهم وألفتهم، وخاف مخالفتهم في نياتهم واختلاف كلمتهم، وأن عيسى قد