وانصرفت إلى مضربي- وكان بعيدا من مضربه- فلما كان في السحر الاكبر ركبت لإقامة الوظائف، فإني لأسير في برية، وقد انفردت عمن كان معي من غلماني وأصحابي، إذ لقيني اسود عريان على قتد رحل، فدنا مني، ثم قَالَ لي: أبا سهل، عظم الله أجرك في مولاك أمير المؤمنين! فهممت أن أعلوه بالسوط، فغاب من بين يدي، فلما انتهيت إلى الرواق لقيني مسرور، فقال لي: أبا سهل، عظم الله أجرك في مولاك أمير المؤمنين! فدخلت فإذا أنا به مسجى في قبة، فقلت: فارقتكم بعد صلاة العصر، وهو أسر ما كان حالا وأصحه بدنا، فما كان الخبر؟ قَالَ: طردت الكلاب ظبيا، فلم يزل يتبعها، فاقتحم الظبي باب خربة، فاقتحمت الكلاب خلفه، واقتحم الفرس خلف الكلاب، فدق ظهره في باب الخربة، فمات من ساعته.
وذكر أن علي بْن أبي نعيم المروزي، قَالَ: بعثت جارية من جواري المهدي إلى ضرة لها بلبأ فيه سم، وهو قاعد في البستان، بعد خروجه من عيساباذ، فدعا به فأكل منه، ففرقت الجارية أن تقول له: إنه مسموم.
وحدثني أحمد بْن محمد الرازي، أن المهدي كان جالسا في علية في قصر بماسبذان، يشرف من منظرة فيها على سفله، وكانت جاريته حسنة، قد عمدت إلى كمثراتين كبيرتين، فجعلتهما في صينية، وسمت واحدة منهما وهي أحسنهما وأنضجهما في أسفلها، وردت القمع فيها، ووضعتها في أعلى الصينية- وكان المهدي يعجبه الكمثرى- وأرسلت بذلك مع وصيفة لها إلى جاريه للمهدي- وكان يتحظاها- تريد بذلك قتلها، فمرت الوصيفة بالصينية التي فيها تلك الكمثرى، تريد دفعها إلى الجارية التي أرسلتها حسنة إليها، بحيث يراها المهدي من المنظرة، فلما رآها ورأى معها الكمثرى، دعا بها، فمد يده إلى الكمثراة التي في أعلى الصينية وهي المسمومة، فأكلها، فلما وصلت إلى جوفه صرخ: جوفي! وسمعت حسنة الصوت، وأخبرت الخبر، فجاءت