بنا حسين، وصعد المنبر منبر رسول الله ص، فجلس وعليه قميص وعمامة بيضاء قد سدلها من بين يديه ومن خلفه، وسيفه مسلول قد وضعه بين رجليه، إذ أقبل خالد البربري في أصحابه، فلما أراد أن يدخل المسجد بدره يحيى بْن عبد الله، فشد عليه البربري، وإني لأنظر إليه، فبدره يحيى بْن عبد الله، فضربه على وجهه، فأصاب عينيه وانفه، فقطع البيضه والقلنسوة نظرت إلى قحفه طائرا عن موضعه، وحمل على أصحابه فانهزموا ثم رجع إلى حسين، فقام بين يديه وسيفه مسلول يقطر دما، فتكلم حسين، فحمد الله وأثنى عليه، وخطب الناس، فقال في آخر كلامه:
يايها الناس، أنا ابن رسول الله في حرم رسول الله، وفي مسجد رسول الله، وعلى منبر نبي الله، أدعوكم إلى كتاب الله وسنه نبيه ص، فإن لم أف لكم بذلك فلا بيعة لي في أعناقكم قَالَ: وكان أهل الزيارة في عامهم ذلك كثيرا، فكانوا قد ملئوا المسجد، فإذا رجل قد نهض، حسن الوجه، طويل القامة، عليه رداء ممشق، أخذ بيد ابن له شاب جميل جلد، فتخطى رقاب الناس، حتى انتهى إلى المنبر، فدنا من حسين، وقال: يا بن رسول الله، خرجت من بلد بعيد وابني هذا معي، وأنا أريد حج بيت الله وزياره قبر نبيه ص، وما يخطر ببالي هذا الأمر الذي حدث منك، وقد سمعت ما قلت، فعندك وفاء بما جعلت على نفسك؟ قَالَ: نعم، قَالَ:
فرأيت والله رءوسهما في الرءوس بمنى، وذلك أني حججت في ذلك العام.
قَالَ: وحدثني جماعة من أهل المدينة أن مباركا التركي أرسل إلى حسين ابن علي: والله لأن أسقط من السماء فتخطفني الطير، أو تهوي بي الريح في مكان سحيق، أيسر علي من أن أشوكك بشوكة، أو أقطع من رأسك شعرة، ولكن لا بد من الأعذار، فبيتني فإني منهزم عنك فأعطاه بذلك عهد الله وميثاقه قَالَ: فوجه إليه الحسين- أو خرج إليه- في نفر يسير، فلما دنوا من عسكره صاحوا وكبروا، فانهزم أصحابه حتى لحق بموسى بْن عيسى.
وذكر أبو المضرحي الكلابي، قَالَ: أخبرني المفضل بْن محمد بن المفضل