للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذكر محمد بْن عطاء بْن مقدم الواسطي، أن أباه حدثه أن المهدي قَالَ لموسى يوما- وقد قدم إليه زنديق، فاستتابه، فأبى أن يتوب، فضرب عنقه وأمر بصلبه: يا بني، إن صار لك هذا الأمر فتجرد لهذه العصابة- يعني أصحاب ماني- فإنها فرقة تدعو الناس إلى ظاهر حسن، كاجتناب الفواحش والزهد في الدنيا والعمل للآخرة، ثم تخرجها إلى تحريم اللحم ومس الماء الطهور وترك قتل الهوام تحرجا وتحوبا، ثم تخرجها من هذه إلى عبادة اثنين:

أحدهما النور والآخر الظلمة، ثم تبيح بعد هذا نكاح الأخوات والبنات والاغتسال بالبول وسرقة الأطفال من الطرق، لتنقذهم من ضلال الظلمة إلى هداية النور، فارفع فيها الخشب، وجرد فيها السيف، وتقرب بأمرها إلى الله لا شريك له، فإني رأيت جدك العباس في المنام قلدني بسيفين، وأمرني بقتل أصحاب الاثنين قَالَ: فقال موسى بعد أن مضت من أيامه عشرة أشهر: أما والله لئن عشت لأقتلن هذه الفرقة كلها حتى لا أترك منها عينا تطرف.

ويقال: إنه أمر أن يهيأ له ألف جذع، فقال: هذا في شهر كذا، ومات بعد شهرين.

وذكر أيوب بْن عنابة أن موسى بْن صالح بْن شيخ، حدثه أن عيسى ابن دأب كان أكثر أهل الحجاز أدبا وأعذبهم ألفاظا، وكان قد حظي عند الهادي حظوة لم تكن عنده لأحد، وكان يدعو له بمتكأ، وما كان يفعل ذلك بأحد غيره في مجلسه وكان يقول: ما استطلت بك يوما ولا ليلة، ولا غبت عن عيني إلا تمنيت ألا أرى غيرك وكان لذيذ المفاكهة طيب المسامرة، كثير النادرة، جيد الشعر حسن الانتزاع له قَالَ: فأمر له ذات ليلة بثلاثين ألف دينار، فلما أصبح ابن دأب وجه قهرمانه إلى باب موسى، وقال له: الق الحاجب، وقل له: يوجه إلينا بهذا المال، فلقي الحاجب، فأبلغه رسالته، فتبسم وقال: هذا ليس إلي، فانطلق إلى صاحب

<<  <  ج: ص:  >  >>