وذكر عن أحمد بْن يوسف أن ثمامة بْن أشرس، قَالَ: أول ما أنكر يحيى بْن خالد من أمره، أن محمد بْن الليث رفع رسالة إلى الرشيد يعظه فيها، ويذكر أن يحيى بْن خالد لا يغني عنك من الله شيئا، وقد جعلته فيما بينك وبين الله، فكيف أنت إذا وقفت بين يديه، فسألك عما عملت في عباده وبلاده، فقلت: يا رب إني استكفيت يحيى أمور عبادك! أتراك تحتج بحجة يرضى بها! مع كلام فيه توبيخ وتقريع فدعا الرشيد يحيى- وقد تقدم إليه خبر الرسالة- فقال: تعرف محمد بْن الليث؟ قَالَ: نعم، قَالَ: فأي الرجال هو؟ قَالَ: متهم على الإسلام، فأمر به فوضع في المطبق دهرا، فلما تنكر الرشيد للبرامكة ذكره فأمر بإخراجه، فأحضر، فقال له بعد مخاطبة طويلة: يا محمد، أتحبني؟ قَالَ: لا والله يا أمير المؤمنين، قَالَ:
تقول هذا! قَالَ: نعم، وضعت في رجلي الأكبال، وحلت بيني وبين العيال بلا ذنب أتيت، ولا حدث أحدثت، سوى قول حاسد يكيد الإسلام وأهله، ويحب الإلحاد وأهله، فكيف أحبك! قَالَ: صدقت، وأمر بإطلاقه، ثم قَالَ: يا محمد، أتحبني؟ قَالَ: لا والله يا أمير المؤمنين، ولكن قد ذهب ما في قلبي، فأمر أن يعطى مائة ألف درهم، فأحضرت، فقال: يا محمد، أتحبني؟ قَالَ: أما الآن فنعم، قد أنعمت علي، وأحسنت إلي قَالَ:
انتقم الله ممن ظلمك، وأخذ لك بحقك ممن بعثني عليك قَالَ: فقال الناس في البرامكة فأكثروا، وكان ذلك أول ما ظهر من تغير حالهم.
قَالَ: وحدثني محمد بْن الفضل بْن سفيان، مولى سليمان بْن أبي جعفر، قَالَ: دخل يحيى بْن خالد بعد ذلك على الرشيد، فقام الغلمان إليه، فقال الرشيد لمسرور الخادم: مر الغلمان ألا يقوموا ليحيى إذا دخل الدار قَالَ:
فدخل فلم يقم إليه أحد، فاربد لونه قَالَ: وكان الغلمان والحجاب بعد إذا رأوه أعرضوا عنه قَالَ: فكان ربما استسقى الشربة من الماء أو غيره، فلا يسقونه، وبالحري إن سقوه أن يكون ذلك بعد أن يدعو بها مرارا