فوثبوا وبقي خاقان وحسين على رأسه، فنظر إليهما الرجل، فقال الرشيد:
تنحيا عني، ففعلا، ثم أقبل على الرجل، فقال: هات ما عندك، فقال:
على أن تؤمنني! قَالَ: على ان اؤمنك وأحسن إليك قَالَ: كنت بحلوان في خان من خاناتها، فإذا أنا بيحيى بْن عبد الله في دراعة صوف غليظة وكساء صوف أخضر غليظ، وإذا معه جماعة ينزلون إذا نزل، ويرحلون إذا رحل، ويكونون منه بصدد يوهمون من رآهم أنهم لا يعرفونه وهم من أعوانه، ومع كل واحد منهم منشور يأمن به إن عرض له قَالَ: أو تعرف يحيى ابن عبد الله؟ قَالَ: أعرفه قديما، وذلك الذي حقق معرفتي به بالأمس، قَالَ: فصفه لي، قَالَ: مربوع أسمر رقيق السمرة، أجلح، حسن العينين، عظيم البطن قَالَ: صدقت، هو ذاك قَالَ: فما سمعته يقول؟ قَالَ:
ما سمعته يقول شيئا، غير أني رأيته يصلي، ورأيت غلاما من غلمانه أعرفه قديما جالسا على باب الخان، فلما فرغ من صلاته أتاه بثوب غسيل، فألقاه في عنقه ونزع جبة الصوف، فلما كان بعد الزوال صلى صلاة ظننتها العصر، وانا ارمقه، اطال في الاوليين، وخفف في الأخريين، فقال: لله أبوك! لجاد ما حفظت عليه، نعم تلك صلاه العصر، وذاك وقتها عند القوم، أحسن الله جزاءك، وشكر سعيك! فمن أنت؟ قَالَ: أنا رجل من أعقاب أبناء هذه الدولة، وأصلي من مرو، ومولدي مدينة السلام، قَالَ: فمنزلك بها؟ قَالَ: نعم، فأطرق مليا، ثم قَالَ: كيف احتمالك لمكروه تمتحن به في طاعتي! قَالَ: أبلغ من ذلك حيث أحب أمير المؤمنين، قال: كن بمكانك حتى ارجع فطفر في حجره كانت خلف ظهره، فأخرج كيسا فيه ألفا دينار، فقال: خذ هذه، ودعني وما أدبر فيك، فأخذها، وضم عليها ثيابه، ثم قَالَ: يا غلام، فأجابه خاقان وحسين، فقال: اصفعا ابن اللخناء، فصفعاه نحوا من مائة صفعة، ثم قَالَ: أخرجاه إلى من بقي في الدار، وعمامته في عنقه، وقولا: هذا جزاء من يسعى بباطنة أمير المؤمنين وأوليائه! ففعلا ذلك، وتحدثوا بخبره، ولم يعلم بحال الرجل أحد، ولا بما