سيفي ذا المنية- وكان قد سمى سيفه ذا المنية- فيجيئه غلامه بالسيف فينتضيه، ثم يقول: وا جعفراه! وا سيداه! والله لاقتلن قاتلك، ولأثأرن بدمك عن قليل! فلما كثر هذا من فعله، جاء ابنه عثمان إلى الفضل بْن الربيع، فأخبره بقوله، فدخل الفضل فأخبر الرشيد، فقال: أدخله، فدخل، فقال:
ما الذي قَالَ الفضل عنك؟ فأخبره بقول أبيه وفعله، فقال الرشيد: فهل سمع هذا أحد معك؟ قَالَ: نعم خادمه نوال، فدعا خادمه سرا فسأله، فقال:
لقد قَالَ ذاك غير مرة ولا مرتين، فقال الرشيد: ما يحل لي أن أقتل وليا من أوليائي بقول غلام وخصى، لعلهما تواصيا على هذه المنافسه، الابن على المرتبة، ومعاداة الخادم لطول الصحبة، فترك ذلك أياما، ثم أراد أن يمتحن إبراهيم بْن عثمان بمحنة تزيل الشك عن قلبه، والخاطر عن وهمه، فدعا الفضل بْن الربيع، فقال: إني أريد محنة إبراهيم بْن عثمان فيما رفع ابنه عليه، فإذا رفع الطعام فادع بالشراب، وقل له: أجب أمير المؤمنين فينادمك، إذ كنت منه بالمحل الذي أنت به، فإذا شرب فاخرج وخلنى وإياه، ففعل ذلك الفضل بْن الربيع، وقعد إبراهيم للشراب، ثم وثب حين وثب الفضل بْن الربيع للقيام، فقال له الرشيد: مكانك يا إبراهيم، فقعد، فلما طابت نفسه، أومأ الرشيد إلى الغلمان فتنحوا عنه، ثم قَالَ: يا إبراهيم، كيف أنت وموضع السر منك؟ قَالَ: يا سيدي إنما أنا كأخص عبيدك، وأطوع خدمك، قَالَ: إن في نفسي أمرا أريد أن أودعكه، وقد ضاق صدري به، وأسهرت به ليلي، قَالَ: يا سيدي إذا لا يرجع عني إليك أبدا، وأخفيه عن جنبي أن يعلمه، ونفسي أن تذيعه قَالَ: ويحك! إني ندمت على قتل جعفر بْن يحيى ندامة ما أحسن أن أصفها، فوددت أني خرجت من ملكي وأنه كان بقي لي، فما وجدت طعم النوم منذ فارقته، ولا لذة العيش منذ قتلته! قَالَ: فلما سمعها إبراهيم أسبل دمعه، وأذرى عبرته، وقال: رحم الله أبا الفضل، وتجاوز عنه! والله يا سيدي لقد أخطأت في قتله، وأوطئت