ذكر أن هرثمة مضى في اليوم السادس من اليوم الذي كتب له عهده الرشيد وشيعه الرشيد، وأوصاه بما يحتاج إليه، فلم يعرج هرثمة على شيء، ووجه إلى علي بْن عيسى في الظاهر أموالا وسلاحا، وخلعا وطيبا، حتى إذا نزل نيسابور جمع جماعة من ثقات أصحابه وأولي السن والتجربة منهم، فدعا كل رجل منهم سرا، وخلا به، ثم أخذ عليهم العهود والمواثيق أن يكتموا أمره، ويطووا سره، وولى كل رجل منهم كورة، على نحو ما كانت حاله عنده، فولى جرجان ونيسابور والطبسين ونسا وسرخس، وأمر كل واحد منهم، بعد أن دفع إليه عهده بالمسير إلى عمله الذي ولاه على أخفى الحالات وأسترها، والتشبه بالمجتازين في ورودهم الكور ومقامهم فيها إلى الوقت الذي سماه لهم، وولى إسماعيل بْن حفص بْن مصعب جرجان بأمر الرشيد، ثم مضى حتى إذا صار من مرو على مرحلة، دعا جماعة من ثقات أصحابه، وكتب لهم أسماء ولد علي بْن عيسى وأهل بيته وكتابه وغيرهم في رقاع، ودفع إلى كل رجل منهم رقعة باسم من وكله بحفظه إذا هو دخل مرو، خوفا من أن يهربوا إذا ظهر أمره ثم وجه إلى علي بْن عيسى: إن أحب الأمير أكرمه الله أن يوجه ثقاته لقبض ما معي من أموال فعل، فإنه إذا تقدم المال أمامي كان أقوى للأمير، وأفت في عضد أعدائه وأيضا فإني لا آمن عليه إن خلفته وراء ظهري، أن يطمع فيه بعض من تسمو اليه نفسه الى ان يقتطع بغضه، ويفترض غفلتنا عند دخول المدينة فوجه علي بْن عيسى جهابذته وقهارمته لقبض المال، وقال هرثمة لخزانه: اشغلوهم هذه الليلة، واعتلوا عليهم في حمل المال بعلة تقرب من أطماعهم، وتزيل الشك عن قلوبهم، ففعلوا وقال لهم الخزان: حتى تؤامروا أبا حاتم في دواب المال والبغال.
ثم ارتحل نحو مدينة مرو، فلما صار منها على ميلين تلقاه علي بْن عيسى في ولده واهل بيته وقواده باحسن لقاء وآنسه، فلما وقعت عين هرثمة عليه، ثنى رجله لينزل عن دابته فصاح به علي: والله لئن نزلت لأنزلن، فثبت على سرجه، ودنا كل منهما من صاحبه فاعتنقا، وسارا، وعلي يسأل هرثمة عن