للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما يقاسي، فنهضت فقال لي: أقعد يا سهل، فقعدت وطال جلوسي لا يكلمني ولا أكلمه، والملحفة تنحل فيعيد الاحتباء بها، فلما طال ذلك نهضت، فقال لي: إلى أين يا سهل؟ قلت: يا أمير المؤمنين، ما يسع قلبي أن أرى أمير المؤمنين يعاني من العلة ما يعاني، فلو اضطجعت يا أمير المؤمنين كان أروح لك! قَالَ: فضحك ضحك صحيح، ثم قَالَ: يا سهل إني أذكر في هذه الحال قول الشاعر:

وإني من قوم كرام يزيدهم ... شماسا وصبرا شدة الحدثان

وذكر عن مسرور الكبير، قَالَ: لما حضرت الرشيد الوفاة، وأحس بالموت، أمرني أن أنشر الوشي فآتيه بأجود ثوب أقدر عليه وأغلاه قيمة، فلم أجد ذلك في ثوب واحد، ووجدت ثوبين أغلى شيء قيمة، وجدتهما متقاربين في اثمانهما، إلا أن أحدهما أغلى من الآخر شيئا، وأحدهما أحمر والآخر أخضر، فجئته بهما، فنظر إليهما وخبرته قيمتهما، فقال: اجعل أحسنهما كفني، ورد الآخر إلى موضعه.

وتوفي- فيما ذكر- في موضع يدعى المثقب، في دار حميد بْن أبي غانم، نصف الليل، ليلة السبت لثلاث خلون من جمادى الآخرة من هذه السنة، وصلى عليه ابنه صالح، وحضر وفاته الفضل بْن الربيع وإسماعيل بْن صبيح، ومن خدمه مسرور وحسين ورشيد.

وكانت خلافته ثلاثا وعشرين سنة وشهرين وثمانية عشر يوما، أولها ليلة الجمعة لأربع عشرة ليلة بقيت من شهر ربيع الأول سنة سبعين ومائة، وآخرها ليلة السبت لثلاث ليال خلون من جمادى الآخرة سنة ثلاث وتسعين ومائة.

وقال هشام بْن محمد: استخلف أبو جعفر الرشيد هارون بْن محمد ليلة الجمعة لأربع عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ سنة سبعين ومائة، وهو يومئذ ابن اثنتين وعشرين سنة، وتوفي ليلة الأحد غرة جمادى الأولى وهو ابن

<<  <  ج: ص:  >  >>