للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابى القوم الا عزمه الخلاف، فالطف لأن يجعلوا أمره لعلي بْن عيسى وانما خص ذو الرياستين عليا بذلك لسوء أثره في أهل خراسان، واجتماع رأيهم على ما كرهه، وأن العامة قائلة بحربه فشاور الفضل الدسيس الذي كان يشاوره، فقال: على بن عيسى ان فعل فلم ترمهم بمثله، في بعد صوبه وسخاوة نفسه، ومكانه في بلاد خراسان في طول ولايته عليهم وكثرة صنائعه فيهم، ثم هو شيخ الدعوة وبقية أهل المشايعة، فأجمعوا على توجيه علي، فكان من توجيهه ما كان وكان يجتمع للمأمون بتوجيه علي جندان: أجناده الذين يحاربه بهم، والعامه من اهل خراسان حرب عليه لسوء أثره فيهم، وذلك رأي يكثر الإخطار به إلا في صدور رجال ضعاف الرأي لحال علي في نفسه، وما تقدم له ولسلفه، فكان ما كان من أمره ومقتله.

وذكر سهل أن عمرو بْن حفص مولى محمد قَالَ: دخلت على محمد في جوف الليل- وكنت من خاصته أصل إليه حيث لا يصل إليه أحد من مواليه وحشمه- فوجدته والشمع بين يديه، وهو يفكر، فسلمت عليه فلم يرد علي، فعلمت أنه في تدبير بعض أموره، فلم أزل واقفا على رأسه حتى مضى أكثر الليل، ثم رفع رأسه إلي، فقال: أحضرني عبد الله بْن خازم، فمضيت إلى عبد الله، فأحضرته، فلم يزل في مناظرته حتى انقضى الليل، فسمعت عبد الله وهو يقول: أنشدك الله يا أمير المؤمنين أن تكون أول الخلفاء نكث عهده، ونقض ميثاقه، واستخف بيمينه، ورد رأي الخليفة قبله! فقال: أسكت، لله أبوك! فعبد الملك كان أفضل منك رأيا، وأكمل نظرا، حيث يقول: لا يجتمع فحلان في هجمة قَالَ عمرو بْن حفص: وسمعت محمدا يقول للفضل ابن الربيع: ويلك يا فضل! لا حياة مع بقاء عبد الله وتعرضه، ولا بد من خلعه، والفضل يعينه على ذلك، ويعده أن يفعل، وهو يقول: فمتى ذلك! إذا غلب على خراسان وما يليها! وذكر بعض خدم محمد أن محمدا لما هم بخلع المأمون والبيعة لابنه، جمع وجوه القواد، فكان يعرض عليهم واحدا واحدا، فيأبونه، وربما

<<  <  ج: ص:  >  >>