للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

متوجها إلى قرية تدعى إسحاقية، ومعه نفر من أهل بيته ومواليه وحشمه، فلما جاوز نهر أبان سمع صوت بريد في جوف الليل، فقال: ان هذا لعجيب، بريد في مثل هذه الساعة وفي مثل هذا الموضع! إن هذا الأمر لعجيب ثم لم يلبث البريد أن وقف، ونادى الملاح: هل معك احمد ابن مزيد؟ قَالَ: نعم، فنزل فدفع إليه كتاب محمد، فقراه ثم قال: انى قد بلغت ضيعتي، وإنما بيني وبينها ميل، فدعني أقعها وقعة فآمر فيها بما أريد ثم أغدو معك، فقال: لا، إن أمير المؤمنين أمرني ألا أنظرك ولا أرفهك، وأن أشخصك أي ساعة صادفتك فيها، من ليل أو نهار.

فانصرف معه حتى أتى الكوفة، فأقام بها يوما حتى تجمل وأخذ أهبة السفر، ثم مضى إلى محمد.

فذكر عن أحمد، قَالَ: لما دخلت بغداد، بدأت بالفضل بْن الربيع، فقلت: أسلم عليه، وأستعين بمنزلته ومحضره عند محمد، فلما أذن لي دخلت عليه، وإذا عنده عبد الله بْن حميد بْن قحطبة، وهو يريده على الشخوص إلى طاهر، وعبد الله يشتط عليه في طلب المال والإكثار من الرجال، فلما رآني رحب بي وأخذ بيدي، ورفعنى حتى صيرني معه على صدر المجلس، وأقبل على عبد الله يداعبه ويمازحه، فتبسم في وجهه، ثم قَالَ:

إنا وجدنا لكم إذ رث حبلكم ... من آل شيبان أما دونكم وأبا

الأكثرون إذا عد الحصى عددا ... والأقربون إلينا منكم نسبا

فقال عبد الله: إنهم لكذلك، وإن منهم لسد الخلل ونكاء العدو، ودفع معرة أهل المعصية عن أهل الطاعة ثم أقبل علي الفضل، فقال: إن أمير المؤمنين أجرى ذكرك، فوصفتك له بحسن الطاعة وفضل النصيحة والشدة على أهل المعصية، والتقدم بالرأي، فأحب اصطناعك والتنويه باسمك، وأن يرفعك إلى منزلة لم يبلغها أحد من أهل بيتك والتفت إلى خادمه، فقال:

يا سراج، مر دوابي، فلم ألبث أن أسرج له، فمضى ومضيت معه، حتى دخلنا على محمد وهو في صحن داره، له ساج، فلم يزل يأمرني بالدنو حتى كدت

<<  <  ج: ص:  >  >>