ورفعتنا من الضعة، ثم أغنيتنا بعد القلة، ثم نخذلك على هذه الحال، بل نتقدم أمامك ونموت تحت ركابك، فلعن الله الدنيا والعيش بعدك ثم نزلوا فعرقبوا دوابهم، وحملوا على أصحاب قريش حملة منكرة، فأكثروا فيهم القتل، وشدخوهم بالحجارة وغير ذلك، وانتهى بعض أصحاب طاهر إلى محمد بْن يزيد، فطعنه بالرمح فصرعه، وتبادروا إليه بالضرب والطعن حتى قتلوه، فقال بعض اهل البصره يرثيه، ويذكر مقتله:
من ذاق طعم الرقاد من فرح ... فإنني قد أضر بي سهري
ولى فتى الرشد فافتقدت به ... قلبي وسمعي وغرني بصري
كان غياثا لدى المحول فقد ... ولى غمام الربيع والمطر
وفي العييني للإمام ولم ... يرهبه وقع المشطب الذكر
ساور ريب المنون داهية ... لولا خضوع العباد للقدر
فامض حميدا فكل ذي أجل ... يسعى إلى ما سعيت بالأثر
وقال بعض المهالبة، وجرح في تلك الوقعة جراحات كثيرة وقطعت يده:
فما لمت نفسي غير انى لم أطق ... حراكا وأني كنت بالضرب مثخنا
ولو سلمت كفاي قاتلت دونه ... وضاربت عنه الطاهرى الملعنا
فتى لا يرى أن يخذل السيف في الوغى ... إذا ادرع الهيجاء في النقع واكتنى
وذكر عن الهيثم بْن عدي، قَالَ: لما دخل ابن أبي عيينة على طاهر فأنشده قوله:
من آنسته البلاد لم يرم ... منها ومن أوحشته لم يقم
حتى انتهى إلى قوله:
ما ساء ظني إلا لواحدة ... في الصدر محصورة عن الكلم
فتبسم طاهر، ثم قَالَ: أما والله لقد ساءني من ذلك ما ساءك، وآلمني ما آلمك، ولقد كنت كارها لما كان، غير أن الحتف واقع، والمنايا نازله،