إحاطة جند الله بالمدينة والخلد، وأخذهم بأفواهها وطرقها ومسالكها في دجلة نواحي أزقة مدينة السلام وانتظام المسالح حواليها وحدرى السفن والزواريق بالعرادات والمقاتلة، إلى ما واجه الخلد وباب خراسان، تحفظا بالمخلوع، وتخوفا من أن يروغ مراغا، ويسلك مسلكا يجد به السبيل إلى اثاره فتنه، واحياء ثائره، أو يهايج قتالا بعد أن حصره الله عز وجل وخذله، ومتابعة الرسل بما يعرض عليه هرثمة بْن أعين مولى أمير المؤمنين، ويسألني من تخلية الطريق له في الخروج إليه واجتماعي وهرثمة بْن أعين، لنتناظر في ذلك، وكراهتي ما أحدث وراءه من أمره بعد إرهاق الله إياه، وقطعه رجاءه من كل حيلة ومتعلق، وانقطاع المنافع عنه، وحيل بينه وبين الماء، فضلا عن غيره، حتى هم به خدمه وأشياعه من أهل المدينة ومن نجا معه إليها، وتحزبوا على الوثوب به للدفع عن أنفسهم والنجاة بها، وغير ذلك مما فسرت لأمير المؤمنين أطال الله بقاءه مما أرجو أن يكون قد أتاه.
وإني أخبر أمير المؤمنين أني رويت فيما دبر هرثمة بْن أعين مولى أمير المؤمنين في المخلوع، وما عرض عليه وأجابه إليه، فوجدت الفتنة في تخلصه من موضعه الذي قد أنزله الله فيه بالذلة والصغار وصيره فيه إلى الضيق والحصار تزداد، ولا يزيد أهل التربص في الأطراف إلا طمعا وانتشارا، وأعلمت ذلك هرثمة بْن أعين، وكراهتي ما أطمعه فيه وأجابه إليه، فذكر أنه لا يرى الرجوع عما أعطاه، فصادرته- بعد يأس من انصرافه- عن رأيه، على أن يقدم المخلوع رداء رسول الله ص وسيفه وقضيبه قبل خروجه، ثم أخلى له طريق الخروج إليه، كراهة أن يكون بيني وبينه اختلاف نصير منه إلى أمر يطمع الأعداء فينا، أو فراق القلوب بخلاف ما نحن عليه من الائتلاف والاتفاق على ذلك، وعلى أن نجتمع لميعادنا عشية السبت.
فتوجهت في خاصة ثقاتي الذين اعتمدت عليهم، وأثق بهم، بربط الجأش، وصدق البأس، وصحة المناصحة، حتى طالعت جميع أمر كل