يا أمير المؤمنين، تركت لباس آبائك وأهل بيتك ودولتهم، ولبست الخضرة.
وكتب إليه في ذلك قواد أهل خراسان.
وقيل إنه أمر طاهر بْن الحسين أن يسأله حوائجه، فكان أول حاجة سأله أن يطرح لباس الخضرة، ويرجع إلى لبس السواد وزي دولة الآباء، فلما رأى طاعة الناس له في لبس الخضرة وكراهتهم لها، وجاء السبت قعد لهم وعليه ثياب خضر، فلما اجتمعوا عنده دعا بسواد فلبسه، ودعا بخلعه سواد فألبسها طاهرا، ثم دعا بعدة من قواده، فألبسهم أقبية وقلانس سودا، فلما خرجوا من عنده وعليهم السواد، طرح سائر القواد والجند لبس الخضرة، ولبسوا السواد، وذلك يوم السبت لسبع بقين من صفر.
وقد قيل: إن المأمون لبس الثياب الخضر بعد دخوله بغداد سبعة وعشرين، ثم مزقت.
وقيل: إنه لم يزل مقيما ببغداد في الرصافة حتى بنى منازل على شط دجلة عند قصره الأول، وفي بستان موسى.
وذكر عن إبراهيم بْن العباس الكاتب، عن عمرو بن مسعده، ان احمد ابن أبي خالد الأحول قَالَ: لما قدمنا من خراسان مع المأمون وصرنا في عقبة حلوان- وكنت زميله- قَالَ لي: يا أحمد، إني أجد رائحة العراق، فأجبت بغير جوابه، وقلت: ما أخلقه! قَالَ: ليس هذا جوابي، ولكني أحسبك سهوت أو كنت مفكرا، قَالَ: قلت: نعم يا أمير المؤمنين، قَالَ: فيم فكرت؟
قَالَ: قلت: يا أمير المؤمنين، فكرت في هجومنا على أهل بغداد وليس معنا إلا خمسون ألف درهم، مع فتنة غلبت على قلوب الناس، فاستعذبوها، فكيف يكون حالنا إن هاج هائج، او تحرك متحرك! قَالَ: فأطرق مليا، ثم قَالَ: صدقت يا أحمد، ما أحسن ما فكرت، ولكني أخبرك، الناس على طبقات ثلاث في هذه المدينة: ظالم، ومظلوم، ولا ظالم ولا مظلوم، فأما الظالم فليس يتوقع إلا عفونا وإمساكنا، وأما المظلوم فليس يتوقع أن ينتصف إلا بنا، ومن كان لا ظالما ولا مظلوما فبيته يسعه فو الله ما كان إلا كما قَالَ