واخرت، ففرغ لذلك فكرك وعقلك وبصرك ورؤيتك، ولا يذهلك عنه ذاهل، ولا يشغلك عنه شاغل، فإنه رأس أمرك، وملاك شأنك، وأول ما يوفقك الله به لرشدك.
وليكن أول ما تلزم به نفسك، وتنسب إليه فعالك، المواظبة على ما افترض الله عليك من الصلوات الخمس، والجماعة عليها بالناس قبلك في مواقيتها على سننها، في إسباغ الوضوء لها، وافتتاح ذكر الله فيها وترتل في قراءتك، وتمكن في ركوعك وسجودك وتشهدك، ولتصدق فيها لربك نيتك.
واحضض عليها جماعة من معك وتحت يدك، واداب عليها فإنها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ثم أتبع ذلك الأخذ بسنن رسول الله ص والمثابرة على خلائفه، واقتفاء آثار السلف الصالح من بعده، وإذا ورد عليك أمر فاستعن عليه باستخارة الله وتقواه ولزوم ما أنزل الله في كتابه، من أمره ونهيه، وحلاله وحرامه، وائتمام ما جاءت به الآثار على النبي ص، ثم قم فيه بما يحق لله عليك، ولا تمل عن العدل فيما أحببت أو كرهت لقريب من الناس أو بعيد وآثر الفقه واهله، والدين وحملته، وكتاب الله والعاملين به، فإن أفضل ما تزين به المرء الفقه في دين الله، والطلب له، والحث عليه، والمعرفة بما يتقرب فيه منه إلى الله، فإنه الدليل على الخير كله، والقائد له، والآمر به، والناهي عن المعاصي والموبقات كلها وبها مع توفيق الله تزداد العباد معرفة بالله عز وجل، وإجلالا له، ودركا للدرجات العلا في المعاد، مع ما في ظهوره للناس من التوقير لأمرك، والهيبة لسلطانك، والأنسة بك والثقة بعدلك.
وعليك بالاقتصاد في الأمور كلها، فليس شيء أبين نفعا، ولا أحضر أمنا، ولا أجمع فضلا من القصد، والقصد داعية إلى الرشد، والرشد دليل على التوفيق، والتوفيق منقاد إلى السعادة، وقوام الدين والسنن الهادية بالاقتصاد،