وغسلوا أيديهم، فدعا المأمون بشراب، فأتى بجام ذهب فصب فيه وشرب، ومد يده بجام فيه شراب إلى الحسن، فتباطأ عنه الحسن، لأنه لم يكن يشرب قبل ذلك، فغمز دينار بْن عبد الله الحسن، فقال له الحسن: يا أمير المؤمنين، أشربه بإذنك وأمرك؟ فقال له المأمون: لولا أمري لم أمدد يدي إليك، فأخذ الجام فشربه فلما كان في الليلة الثانية، جمع بين محمد بْن الحسن بْن سهل والعباسة بنت الفضل ذي الرئاستين، فلما كان في الليلة الثالثة دخل على بوران، وعندها حمدونة وأم جعفر وجدتها، فلما جلس المأمون معها نثرت عليها جدتها ألف درة كانت في صينية ذهب، فأمر المأمون أن تجمع، وسألها عن عدد ذلك الدر كم هو؟ فقالت: ألف حبة، فأمر بعدها فنقصت عشرا، فقال: من أخذها منكم فليردها، فقالوا: حسين زجلة، فأمره بردها، فقال: يا أمير المؤمنين، إنما نثر لنأخذه، قَالَ: ردها فإني أخلفها عليك، فردها وجمع المأمون ذلك الدر في الآنية كما كان، فوضع في حجرها، وقال: هذه نحلتك، وسلي حوائجك، فأمسكت فقالت لها جدتها: كلمي سيدك، وسليه حوائجك فقد أمرك، فسألته الرضا عن إبراهيم بن المهدي، فقال: قد فعلت، وسألته الإذن لأم جعفر في الحج، فأذن لها وألبستها أم جعفر البدنة الأموية، وابتنى بها في ليلته، وأوقد في تلك الليلة شمعة عنبر، فيها أربعون منا في تور ذهب فأنكر المأمون ذلك عليهم، وقال: هذا سرف، فلما كان من الغد دعا بإبراهيم بْن المهدي فجاء يمشي من شاطئ دجلة، عليه مبطنة ملحم، وهو معتم بعمامة، حتى دخل، فلما رفع الستر عن المأمون رمى بنفسه، فصاح المأمون:
يا عم، لا بأس عليك، فدخل فسلم عليه تسليم الخلافة، وقبل يده، وأنشد شعره، ودعا بالخلع فخلع عليه خلعه ثانية، ودعا له بمركب وقلده سيفا، وخرج فسلم الناس، ورد إلى موضعه