فقيل: إن أول ما أحدثه في أمره حين تغير له أن صير أحمد بن عمار الخراساني زماما عليه في نفقات الخاصة، ونصر بن منصور بن بسام زماما عليه في الخراج وجميع الأعمال، فلم يزل كذلك، وكان محمد بن عبد الملك الزيات يتولى ما كان أبوه يتولاه للمأمون من عمل المشمس والفساطيط وآلة الجمازات ويكتب على ذلك مما جرى على يدي محمد بن عبد الملك، وكان يلبس إذا حضر الدار دراعة سوداء وسيفا بحمائل، فقال له الفضل بن مروان: إنما أنت تاجر، فما لك وللسواد والسيف! فترك ذلك محمد، فلما تركه أخذه الفضل برفع حسابه إلى دليل بن يعقوب النصراني، فرفعه، فأحسن دليل في أمره، ولم يرزأه شيئا، وعرض عليه محمد هدايا، فأبى دليل أن يقبل منها شيئا، فلما كانت سنة تسع عشرة ومائتين- وقيل سنة عشرين، وذلك عندي خطأ- خرج المعتصم يريد القاطول، ويريد البناء بسامرا، فصرفه كثرة زيادة دجلة، فلم يقدر على الحركة، فانصرف إلى بغداد إلى الشماسية، ثم خرج بعد ذلك، فلما صار بالقاطول غضب على الفضل بن مروان وأهل بيته في صفر، وأمرهم برفع ما جرى على أيديهم، وأخذ الفضل وهو مغضوب عليه في عمل حسابه، فلما فرغ من الحساب لم يناظر فيه، وأمر بحبسه، وأن يحمل إلى منزله ببغداد في شارع الميدان، وحبس أصحابه، وصير مكانه محمد بن عبد الملك الزيات، فحبس دليلا، ونفى الفضل إلى قرية في طريق الموصل يقال لها السن، فلم يزل بها مقيما، فصار محمد بن عبد الملك وزيرا كاتبا، وجرى على يديه عامة ما بنى المعتصم بسامرا من الجانبين الشرقي والغربي، ولم يزل في مرتبته حتى استخلف المتوكل، فقتل محمد بن عبد الملك.
وذكر أن المعتصم لما استوزر الفضل بن مروان حل من قبله المحل الذي لم يكن أحد يطمع في ملاحظته، فضلا عن منازعته ولا في الاعتراض في أمره