هذا، وكان ذلك قبل صلاة العصر فبعث بغا الى داود سياه: قد توسطنا الموضع الذي نعرفه- يعني الذى كنا فيه في المرة الأولى- وهذا وقت المساء، وقد تعب الرجالة، فانظر جبلا حصينا يسع عسكرنا حتى نعسكر فيه ليلتنا هذه فالتمس داود سياه ذلك، فصعد إلى بعض الجبال، فالتمس أعلاه فأشرف، فراى اعلام الافشين ومعسكره شبه الخيال فقال: هذا موضعنا إلى غدوة، وننحدر من الغد إلى الكافر إن شاء الله فجاءهم في تلك الليلة سحاب وبرد ومطر وثلج كثير، فلم يقدر أحد حين أصبحوا أن ينزل من الجبل يأخذ ماء، ولا يسقي دابته من شدة البرد وكثرة الثلج، وكأنهم كانوا في ليل من شدة الظلمة والضباب فلما كان اليوم الثالث قال الناس لبغا:
قد فني ما معنا من الزاد، وقد اضربنا البرد، فانزل على أي حالة كانت، إما راجعين وإما إلى الكافر وكان في أيام الضباب فبيت بابك الافشين ونقض عسكره، وانصرف الأفشين عنه إلى معسكره، فضرب بغا بالطبل، وانحدر يريد البذ حتى صار إلى البطن، فنظر إلى السماء منجلية، والدنيا طيبة، غير رأس الجبل الذي كان عليه بغا، فعبى بغا أصحابه ميمنة وميسرة ومقدمة، وتقدم يريد البذ، وهو لا يشك أن الأفشين في موضع معسكره، فمضى حتى صار بلزق جبل البذ، ولم يبق بينه وبين ان يشرف على ابيات البذ إلا صعود قدر نصف ميل، وكان على مقدمته جماعة فيهم غلام لابن البعيث، له قرابة بالبذ، فلقيتهم طلائع لبابك، فعرف بعضهم الغلام، فقال له: فلان، فقال: من هذا هاهنا؟ فسمي له من كان معه من أهل بيته، فقال: ادن حتى أكلمك، فدنا الغلام منه، فقال له: ارجع وقل لمن تعني به يتنحى، فإنا قد بيتنا الأفشين، وانهزم إلى خندقه وقد هيأنا لكم عسكرين، فعجل الانصراف لعلك أن تفلت فرجع الغلام فأخبر ابن البعيث بذلك، وسمي له الرجل، فعرفه ابن البعيث، فأخبر ابن البعيث بغا بذلك، فوقف بغا شاور أصحابه، فقال بعضهم: هذا باطل، هذه