وأشار غيره على بغا فقال: إن العسكر قد تقطع، وليس يدرك أوله آخره، والناس قد رموا بسلاحهم، وقد بقي المال والسلاح على البغال، وليس معه أحد، ولا نأمن أن يخرج عليه من يأخذ المال والأسير- وكان ابن جويدان معهم أسيرا أرادوا أن يفادوا به كاتبا لعبد الرحمن بن حبيب، أسره بابك- فعزم بغا على أن يعسكر بالناس حين ذكر له المال والسلاح والأسير، فوجه الى داود سياه: حيثما رأيت جبلا حصينا، فعسكر عليه.
فعدل داود إلى جبل مؤرب، لم يكن للناس موضع يقعدون فيه من شدة هبوطه، فعسكر عليه، فضرب مضربا لبغا على طرف الجبل في موضع شبيه بالحائط، ليس فيه مسلك، وجاء بغا فنزل، وأنزل الناس وقد تعبوا وكلوا، وفنيت أزوادهم، فباتوا على تعبئة وتحارس من ناحية المصعد، فجاءهم العدو من الناحية الأخرى، فتعلقوا بالجبل حتى صاروا إلى مضرب بغا، فكبسوا المضرب، وبيتوا العسكر، وخرج بغا راجلا حتى نجا، وجرح الفضل بن كاوس، وقتل جناح السكري، وقتل ابن جوشن، وقتل أحد الأخوين قرابه الفضل ابن سهل، وخرج بغا من العسكر راجلا، فوجد دابة فركبها، ومر بابن البعيث فأصعده على هشتاد سر، حتى انحدر به على عسكر محمد بن حميد، فوافاه في جوف الليل، وأخذ الخرمية المال والسلاح والأسير ابن جويدان، ولم يتبعوا الناس، ومر الناس منهزمين منقطعين حتى وافوا بغا، وهو في خندق محمد بن حميد، فأقام بغا في خندق محمد بن حميد خمسة عشر يوما، فأتاه كتاب الأفشين يأمره بالرجوع إلى المراغة، وأن يرد إليه المدد الذي كان امده به، فمضى بغا إلى المراغة، وانصرف الفضل بن كاوس وجميع من كان جاء معه من معسكر الأفشين إلى الأفشين، وفرق الافشين الناس في مشاتيهم تلك السنة، حتى جاء الربيع من السنة المقبلة.