ذلك ليلتين أو ثلاث ليال، وجعلوا يركضون دوابهم خلف السور، ففعلوا ذلك غير مرة، فلما أنسوا هيأ لهم الأفشين أربعة كراديس من الفرسان والرجالة، فكانت الرجالة ناشبة، فكمنوا لهم في الأودية، ووضع عليهم العيون، فلما انحدروا في وقتهم الذي كانوا ينحدرون فيه في كل مرة، وصاحوا وجلبوا كعادتهم شدت عليهم الخيل والرجالة الذين رتبوا، فأخذوا عليهم طريقهم.
وأخرج الأفشين إليهم كردوسين من الرجالة في جوف الليل، فأحسوا أن قد أخذت عليهم العقبة، فتفرقوا في عدة طرق، حتى أقبلوا يتسلقون الجبال، فمروا فلم يعودوا إلى ما كانوا يفعلون، ورجع الناس من الطلب مع صلاة الغداة إلى الخندق بروذ الروذ، ولم يلحقوا من الخرمية أحدا.
ثم إن الأفشين كان في كل أسبوع يضرب بالطبول نصف الليل، ويخرج بالشمع والنفاطات إلى باب الخندق، وقد عرف كل إنسان منهم كردوسه، من كان في الميمنة ومن كان في الميسرة، فيخرج الناس فيقفون في مواقفهم ومواضعهم وكان الأفشين يحمل أعلاما سودا كبارا، اثني عشر علما يحملها على البغال، ولم يكن يحملها على الخيل لئلا تزعزع، يحملها على اثنى عشر بغلا، وكانت طبوله الكبار واحدا وعشرين طبلا، وكانت الأعلام الصغار نحوا من خمسمائة علم، فيقف أصحابه كل فرق على مرتبتهم من ربع الليل، حتى إذا طلع الفجر ركب الأفشين من مضربه، فيؤذن المؤذن بين يديه ويصلي، ثم يصلي الناس بغلس، ثم يأمر بضرب الطبول، ويسير زحفا وكانت علامته في المسير والوقوف تحريك الطبول وسكونها، لكثرة الناس ومسيرهم في الجبال والأزقة على مصافهم، كلما استقبلوا جبلا صعدوه، وإذا هبطوا إلى واد مضوا فيه، إلا أن يكون جبلا منيعا لا يمكنهم صعوده وهبوطه، فإنهم كانوا ينضمون إلى العساكر، ويرجعون إذا جاءوا إلى الجبل إلى مصافهم ومواضعهم، وكانت علامة المسير ضرب الطبول، فان أراد أن يقف أمسك عن ضرب الطبول، فيقف الناس جميعا من كل ناحية على جبل، أو في واد أو في مكانهم، وكان يسير قليلا قليلا، كلما جاءه كوهباني بخبر وقف