المتوكل حمدويه بن علي بن الفضل السعدي أذربيجان، ووجهه من سامرا على البريد، فلما صار إليهما جمع الجند والشاكرية ومن استجاب له، فصار في عشرة آلاف، فزحف إلى ابن البعيث، فألجأه إلى مدينة مرند- وهي مدينة استدارتها فرسخان وفي داخلها بساتين كثيرة، ومن خارجها كما تدور شجر إلا في موضع أبوابها- وقد جمع فيها ابن البعيث آلة الحصار، وفيها عيون ماء، فلما طالت مدته، وجه المتوكل زيرك التركي في مائتي ألف فارس من الأتراك، فلم يصنع شيئا، فوجه إليه المتوكل عمرو بن سيسل بن كال في تسعمائة من الشاكرية، فلم يغن شيئا، فوجه إليه بغا الشرابي في أربعة آلاف ما بين تركي وشاكري ومغربي، وكان حمدويه بن علي وعمر بن سيسل وزيرك زحفوا إلى مدينة مرند، وقطعوا ما حولها من الشجر، فقطعوا نحوا من مائة ألف شجرة وغير ذلك من شجر الغياض، ونصبوا عليها عشرين منجنيقا، وبنوا بحذاء المدينة ما يستكنون فيه، ونصب عليهم ابن البعيث من المجانيق مثل ذلك، وكان من معه من علوج رساتيقه يرمون بالمقاليع، فكان الرجل لا يقدر على الدنو من سور المدينة، فقتل من أولياء السلطان في حربه في ثمانية أشهر نحو من مائه رجل، وجرح نحو من أربعمائة، وقتل وجرح من أصحابه مثل ذلك.
وكان حمدويه وعمرو وزيرك يغادونه القتال ويراوحونه، وكان السور من قبل المدينة ذليلا، ومن القرار نحوا من عشرين ذراعا، وكانت الجماعة من أصحاب ابن البعيث يتدلون بالحبال معهم الرماح فيقاتلون، فإذا حمل عليهم من أصحاب السلطان لجئوا إلى الحائط، وكانوا ربما فتحوا بابا يقال له باب الماء، فيخرج منه العدة يقاتلون ثم يرجعون.
ولما قرب بغا الشرابي من مرند بعث- فيما ذكر- عيسى بن الشيخ بن السليل الشيباني، ومعه أمانات لوجوه أصحاب ابن البعيث، ولابن البعيث أن ينزلوا وينزل على حكم أمير المؤمنين، وإلا قاتلهم، فإن ظفر بهم لم يستبق منهم أحدا، ومن نزل فله الامان، وكان عامة من مع ابن البعيث من ربيعة من قوم عيسى بن الشيخ، فنزل منهم قوم كثير بالحبال، ونزل ختن ابن البعيث