أنت أمرتنا بقتل باغر، فصرنا إلى ما نحن فيه، وأنت عرضتنا لقتل اوتامش، وقلت: إن محمدا ليس بناصح، وما زالوا يفزعونه ويحتالون له، فقال محمد ابن عبد الله: وقد قلت لي إن أمرنا لا يصطلح إلا باستراحتنا من هذين، فلما اجتمعت كلمتهم أذعن لهم بالخلع، وكتب بما اشترط لنفسه عليهم، وذلك لإحدى عشرة ليلة بقيت من ذي الحجة.
ولما كان يوم السبت لعشر بقين من ذي الحجة، ركب محمد بن عبد الله إلى الرصافة وجميع القضاة والفقهاء، وأدخلهم على المستعين فوجا فوجا، واشهدهم عليه انه قد صير أمره إلى محمد بن عبد الله بن طاهر، ثم أدخل عليه البوابين والخدم، وأخذ منه جوهر الخلافة، وأقام عنده حتى مضى هوي من الليل، وأصبح الناس يرجفون بألوان الأراجيف، وبعث ابن طاهر إلى قواده في موافاته، مع كل قائد منهم عشرة نفر من وجوه أصحابه، فوافوه، فأدخلهم ومناهم، وقال لهم: إنما أردت بما فعلت صلاحكم وسلامتكم وحقن الدماء وأعد للخروج إلى المعتز في الشروط التي اشترطها للمستعين ولنفسه ولقواده قوما ليوقع المعتز في ذلك بخطه ثم أخرجهم إلى المعتز، فمضوا إليه حتى وقع في ذلك بخطه إمضاء كل ما سأل المستعين وابن طاهر لأنفسهما من الشروط، وشهدوا عليه بإقراره بذلك كله، وخلع المعتز على الرسل، وقلدهم سيوفا، وانصرفوا بغير جائزة ولا نظر في حاجة لهم، ووجه معهم لأخذ البيعة له على المستعين جماعة من عنده، ولم يأمر للجند بشيء.
وحمل إلى المستعين أمه وابنته وعياله بعد ما فتش عياله، وأخذ منهم بعض ما كان معهم مع سعيد بن صالح، فكان دخول الرسل بغداد منصرفهم من عند المعتز يوم الخميس لثلاث خلون من المحرم سنة اثنتين وخمسين ومائتين.
وذكر أن رسل المعتز لما صاروا بالشماسية، قال ابن سجادة: أنا أخاف من أهل بغداد، فإما أن يحمل المستعين إلى الشماسية أو إلى دار محمد بن عبد الله ليبايع المعتز، ويخلع نفسه ويؤخذ منه القضيب والبرده