لم يخرجوا معهم بمضارب، ولا ما يتدفئون به من البرد، وأنهم في شتاء وكان بغا في مضرب له صغير على دجلة، كان يكون فيه، فأتاه ساتكين، فقال: أصلح الله الأمير! قد تكلم أهل العسكر، وخاضوا في كذا وأنا رسولهم إليك، فقال: كلهم يقول مثل قولك؟ قال: نعم، وإن شئت فابعث إليهم حتى يقولوا مثل قولي، قال: دعني الليلة حتى أنظر، ويخرج إليكم أمري بالغداة، فلما جن عليه الليل دعا بزورق، فركبه مع خادمين معه، وحمل معه شيئا من المال، ولم يحمل معه سلاحا ولا سكينا ولا عمودا، ولا يعلم أهل عسكره بذلك من أمره، والمعتز في غيبة بغا لا ينام إلا في ثيابه، وعليه السلاح، ولا يشرب نبيذا، وجميع جواريه على رجل فصار بغا إلى الجسر في الثلث الأول من الليل، فلما قارب الزورق الجسر بعث الموكلون به من في الزورق، فصاح بالغلام، فرجع إليهم وخرج بغا في البستان الخاقاني، فلحقه عدة منهم، فوقف لهم وقال: أنا بغا ولحقه وليد المغربي، فقال له: ما لك جعلت فداك! فقال: إما أن تذهب بي إلى منزل صالح بن وصيف، وإما أن تصيروا معي إلى منزلي، حتى أحسن إليكم فوكل به وليد المغربي، ومر يركض إلى الجوسق، فاستأذن على المعتز، فأذن له، فقال: يا سيدي هذا بغا قد أخذته ووكلت به، قال: ويلك! جئني برأسه، فرجع وليد، فقال للموكلين به: تنحوا عنه حتى أبلغه الرسالة، فتنحوا عنه، فضربه ضربة على جبهته ورأسه، ثم تناهى على يديه فقطعهما، ثم ضربه حتى صرعه وذبحه، وحمل رأسه في بركة قبائه، وأتى به المعتز، فوهب له عشرة آلاف دينار، وخلع عليه خلعة، ونصب رأسه بسامرا، ثم ببغداد، ووثبت المغاربة على جثته، فأحرقوه بالنار، وبعث المعتز من ساعته إلى أحمد بن إسرائيل والحسن بن مخلد وأبي نوح، فأحضرهم وأخبرهم، وتتبع عبيد الله بن طاهر بنيه ببغداد، وكانوا صاروا إليها هرابا مع قوم يثقون بهم، فاستتر ما عندهم