الموضع الذي أقام به من كرمان على مرحلة لا يرتحل عنه شهرا أو شهرين، يتجسس أخبار طوق، ويسأل عن أمره كل من مر به خارجا من كرمان إلى ناحيته، ولا يدع أحدا يجوز عسكره من ناحيته إلى كرمان، ولا يزحف طوق إليه ولا هو إلى طوق فلما طال ذلك من أمرهما كذلك أظهر يعقوب الارتحال عن معسكره إلى ناحية سجستان، فارتحل عنه مرحلة.
وبلغ طوقا ارتحاله، فظن أنه قد بدا له في حربه، وترك عليه كرمان وعلى علي بن الحسين، فوضع آلة الحرب، وقعد للشرب، ودعا بالملاهي، ويعقوب في كل ذلك لا يغفل عن البحث عن أخباره فاتصل به ووضع طوق آلة الحرب وإقباله على الشراب واللهو بارتحاله، فكر راجعا، فطوى المرحلتين إليه في يوم واحد، فلم يشعر طوق وهو في لهوه وشربه في آخر نهاره إلا بغبرة قد ارتفعت من خارج المدينة التي هو فيها من كرمان، فقال لأهل القرية:
ما هذه الغبرة؟ فقيل له: غبرة مواشي أهل القرية منصرفة إلى أهلها، ثم لم يكن الا كلا ولا، حتى وفاه يعقوب في أصحابه، فأحاط به وبأصحابه، فذهب أصحاب طوق لما أحيط بهم يريدون المدافعة عن أنفسهم، فقال يعقوب لأصحابه: أفرجوا للقوم، فأفرجوا لهم، فمروا هاربين على وجوههم، وخلوا كل شيء لهم مما كان معهم في معسكرهم، وأسر يعقوب طوقا.
فحدثني ابن حماد البربري أن علي بن الحسين لما وجه طوقا حمله صناديق في بعضها اطواقه وأسورة ليطوق ويسور من أبلى معه من أصحابه، وفي بعضها أموال ليجيز من استحق الجائزة منهم، وفي بعضها قيود وأغلال ليقيد بها من أخذ من أصحاب يعقوب، فلما أسر يعقوب طوقا ورؤساء الجيش الذين كانوا معه أمر بحيازة كل ما كان مع طوق وأصحابه من المال والأثاث والكراع والسلاح، فحيز ذلك كله، وجمع إليه، فلما أتي بالصناديق أتي بها مقفله،