أصلح الله الأمير! فإذا كان الأمير عزم على تركنا، والانصراف عنا، فما معنى أخذنا بالخراج لسنة لم نبتدئ بعمارتها، وأكثر غلة سنة خمس وخمسين ومائتين، التي قد أخذ الأمير خراجها في الصحاري لا يمكننا الوصول إليها إن رحل الأمير عنا! فلم يلتفت إلى شيء مما وصفوه له، وسألوه إياه.
واتصل خبر انصرافه بالمهتدي، فكتب إليه في ذلك كتبا كثيرة، لم تؤثر أثرا فلما انتهى إليه قفول موسى من الري، ولم تغن الكتب شيئا وجه رجلين من بني هاشم، يقال لأحدهما عبد الصمد بن موسى، ويعرف الآخر بأبي عيسى يحيى بن إسحاق بن موسى بن عيسى بن عَلِيّ بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عباس، وحملا رسالة إلى موسى وإلى من ضم عسكرة من الموالى، يصدقهم فيها عن الحال بالحضرة وضيق الأموال بها، وما يحاذر من ذهاب ما يخلفونه وراء ظهورهم، وغلبه الطالبيين عليه واتساع آثارهم إلى ناحية الجبل فشخص بذلك الهاشميان في جماعه من الموالي واتباعهم من الديلم، وأقبل موسى ومن معه، وصالح بن وصيف في ذلك يعظم على المهتدي انصرافه، وينسبه إلى المعصية والخلاف، ويبتهل عليه في أكثر ذلك، ويبرأ إلى الله من فعله.
فذكر أن كتاب صاحب البريد بهمذان لما ورد على المهتدي بفصول موسى عنها، رفع المهتدي يديه إلى السماء، ثم قال بعد أن حمد الله وأثنى عليه:
اللهم إني أبرأ إليك من فعل موسى بن بغا وإخلاله بالثغر وإباحته العدو، فإني قد أعذرت إليه فيما بيني وبينه اللهم تول كيد من كايد المسلمين، اللهم انصر جيوش المسلمين حيث كانوا، اللهم إني شاخص بنيتي واختياري إلى حيث نكب المسلمون فيه، ناصرا لهم ودافعا عنهم اللهم فآجرني بنيتي إذ عدمت صالح الأعوان! ثم انحدرت دموعه يبكى.
وذكر عن بعض من حضر المهتدي في بعض مجالسه التي يقول فيها هذا القول، وحضره سليمان بن وهب، فقال: أيأمرني أمير المؤمنين أن اكتب الى موسى بما اسمع منه، فقال له: نعم، اكتب بما تسمع مني، وان امكنك ان تنقشه في الصخر فافعل فلقيه الهاشميان في الطريق ولم يغنيا شيئا،