قال ابن سمعان: فإني يومئذ لفي المسجد الجامع، إذ ارتفعت نيران ثلاث من ثلاثة أوجه: زهران والمربد وبني حمان في وقت واحد، كأن موقديها كانوا على ميعاد، وذلك صدر يوم الجمعة، وجل الخطب، وأيقن أهل البصرة بالهلاك، وسعى من كان في المسجد الجامع إلى منازلهم، ومضيت مبادرا إلى منزلي، وهو يومئذ في سكة المربد، فلقيني منهزمو أهل البصرة في السكة راجعين نحو المسجد الجامع، وفي أخراهم القاسم بن جعفر بن سليمان الهاشمي، وهو على بغل متقلد سيفا يصيح بالناس: ويحكم! أتسلمون بلدكم وحرمكم! هذا عدوكم قد دخل البلد، فلم يلووا عليه، ولم يسمعوا منه، فمضى وانكشفت سكة المربد، فصار بين المنهزمين والزنج فيها فضاء يسافر فيه البصر.
قال محمد: فلما رأيت ذلك دخلت منزلي، وأغلقت بابي، وأشرفت فإذا خيل من الأعراب ورجالة الزنج، تقدمهم رجل على حصان كميت، بيده رمح، عليه عذبة صفراء، فسألت بعد أن صير بي إلى مدينة الخائن عن ذلك الرجل، فادعى علي بن أبان أنه ذلك الرجل، وأن الراية الصفراء رايته، ودخل القوم، فغابوا في سكة المربد إلى أن بلغوا باب عثمان، وذلك بعد الزوال ثم انصرفوا، فظن الناس من رعاع أهل البصرة وجهالهم أن القوم قد مضوا لصلاة الجمعة، وكان الذي صرفهم أنهم خشوا أن يخرج عليهم جمع السعدية والبلالية من المربعة، وخافوا الكمناء هناك، فانصرفوا وانصرف من كان بناحية زهران وبني حصن، وذلك بعد أن أحرقوا وأنهبوا واقتدروا على البلد، وعلموا أنه لا مانع لهم منه، فأغبوا السبت والأحد، ثم غادوا البصرة يوم الاثنين، فلم يجدوا عنها مدافعا، وجمع الناس إلى باب إبراهيم بن يحيى المهلبي وأعطوا الأمان.
قال محمد بن سمعان: فحدثني الحسن بن عثمان المهلبي الملقب بمندلقة- وكان من أصحاب يحيى بن محمد- قال: أمرني يحيى في تلك الغداة بالمصير