للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويأمره بتقديم من قدر على تقديمه من الرجال، فإنه لفي ذلك إذ أتاه المكتنى أبا دلف- وهو أحد قواد السودان- فقال له: إن القوم قد صعدوا وانهزم عنهم الزنج، وليس في وجوههم من يردهم حتى انتهوا إلى الحبل الرابع.

فصاح به وانتهره، وقال: اغرب عني فإنك كاذب فيما حكيت، وإنما ذلك جزع دخلك لكثرة ما رأيت من الجمع، فانخلع قلبك، ولست تدري ما تقول.

فخرج أبو دلف من بين يديه، وأقبل على كاتبه، وقد كان أمر جعفر بن إبراهيم السجان بالنداء في الزنج وتحريكهم للخروج إلى موضع الحرب، فأتاه السجان، فأخبره أنه قد ندب الزنج، فخرجوا وإن أصحابه قد ظفروا بسميريتين، فأمره بالرجوع لتحريك الرجالة، فرجع ولم يلبث بعد ذلك إلا يسيرا، حتى أصيب مفلح بسهم غرب لا يعرف الرامي به، ووقعت الهزيمة، وقوي الزنج على أهل حربهم، فنالوهم بما نالوهم به من القتل ووافى الخبيث زنجه بالرءوس قابضين عليها بأسنانهم حتى ألقوها بين يديه، فكثرت الرءوس يومئذ حتى ملأت كل شيء، وجعل الزنج يقتسمون لحوم القتلى ويتهادونها بينهم.

وأتي الخائن بأسير من أبناء الفراغنة، فسأله عن رأس الجيش، فأعلمه بمكان أبي أحمد ومفلح، فارتاع لذكر أبي أحمد- وكان إذا راعه أمر كذب به- فقال: ليس في الجيش غير مفلح! لأني لست أسمع الذكر إلا له، ولو كان في الجيش من ذكر هذا الأسير لكان صوته أبعد، ولما كان مفلح إلا تابعا له، ومضافا إلى صحبته.

وقد كان أهل عسكر الخبيث لما خرج عليهم أصحاب أبي أحمد، جزعوا جزعا شديدا، وهربوا من منازلهم، ولجئوا إلى النهر المعروف بنهر أبي الخصيب ولا جسر يومئذ عليه، فغرق فيه يومئذ خلق كثير من النساء والصبيان، ولم يلبث الخبيث بعد الوقعة إلا يسيرا، حتى وافاه علي بن أبان في جمع من أصحابه، فوافاه وقد استغنى عنه، ولم يلبث مفلح أن مات، وتحيز أبو أحمد

<<  <  ج: ص:  >  >>