فخلوا سفنهم، وألقوا أنفسهم في غربي نهر العباس، وأخذوا على طريق الزيدان ماضين نحو عسكر الخبيث، ويحيى غار بما أصابهم، لم يأته علم شيء من خبرهم، وهو متوسط عسكره، قد وقف على قنطرة قورج العباس في موضع ضيق تشتد فيه جرية الماء، فهو مشرف على أصحابه الزنج، وهم في جر تلك السفن التي كانت معهم، فمنها ما يغرق، ومنها ما يسلم.
قال محمد بن سمعان: وأنا في تلك الحال معه واقف، فأقبل علي متعجبا من شدة جرية الماء وشدة ما يلقى أصحابه من تلقيه بالسفن، فقال لي:
أرأيت لو هجم علينا غدونا في هذه الحال، من كان أسوأ حالا منا! فما انقضى كلامه حتى وافاه طاشتمر التركي في الجيش الذي أنفذه إليهم أبو أحمد عند رجوعه من الأبلة إلى نهر أبي الأسد، ووقعت الضجة في عسكره.
قال محمد: فنهضت متشوقا للنظر، فإذا الأعلام الحمر قد أقبلت في الجانب الغربي من نهر العباس ويحيى به، فلما رآها الزنج ألقوا أنفسهم في الماء جملة، فعبروا إلى الجانب الشرقي، وعري الموضع الذي كان فيه يحيى، فلم يبق معه إلا بضعة عشر رجلا، فنهض يحيى عند ذلك، فأخذ درقته وسيفه، واحتزم بمنديل، وتلقى القوم الذين أتوه في النفر الذين معه، فرشقهم أصحاب طاشتمر بالسهام، وأسرع فيهم الجراح، وجرح البحراني بأسهم ثلاثة في عضديه وساقه اليسرى فلما رآه أصحابه جريحا تفرقوا عنه، فلم يعرف فيقصد له فرجع حتى دخل بعض تلك السفن، وعبر به إلى الجانب الشرقي من النهر، وذلك وقت الضحى من ذلك اليوم، وأثقلت يحيى الجراحات التي أصابته فلما رأى الزنج ما نزل به اشتد جزعهم، وضعفت قلوبهم، فتركوا القتال وكانت همتهم النجاة بأنفسهم، وحاز أصحاب السلطان الغنائم التي كانت في السفن بالجانب الغربي من النهر، فلما حووها أقعدوا في بعض تلك السفن النفاطين، وعبروهم إلى شرقي النهر، فأحرقوا ما كان هناك من السفن