ولما انقضت الحرب في هذا اليوم، أشار على أبي العباس قواده وأولياؤه، أن يجعل معسكره بالموضع الذي كان انتهى إليه من الصلح، إشفاقا عليه من مقاربة القوم، فأبى إلا نزول واسط.
ولما انهزم سليمان بن جامع ومن معه، وضرب الله وجوههم، انهزم سليمان بن موسى الشعراني عن نهر أبان، حتى وافى سوق الخميس، ولحق سليمان بن جامع بنهر الأمير، وقد كان القوم حين لقوا أبا العباس أجالوا الرأي بينهم، فقالوا: هذا فتى حدث، لم تطل ممارسته الحروب وتدربه بها، فالرأي لنا أن نرميه بحدنا كله، ونجتهد في أول لقية نلقاه في إزالته، فلعل ذلك أن يروعه، فيكون سببا لانصرافه عنا ففعلوا ذلك، وحشدوا واجتهدوا، فأوقع الله بهم بأسه ونقمته وركب أبو العباس من غد يوم الوقعه، حتى دخل واسطا في أحسن زي، وكان يوم جمعة، فأقام حتى صلى بها صلاة الجمعة، واستأمن إليه خلق كثير، ثم انحدر إلى العمر- وهو على فرسخ من واسط- فقدم فيه عسكره، وقال: اجعل معسكري أسفل واسط، ليأمن من فوقه الزنج وقد كان نصير المعروف بأبي حمزة والشاه بن ميكال أشارا عليه أن يجعل مقامه فوق واسط فامتنع من ذلك، وقال لهما: لست نازلا إلا العمر، فانزلا أنتما في فوهة بردودا وأعرض أبو العباس عن مشاورة أصحابه واستماع شيء من آرائهم، فنزل العمر، وأخذ في بناء الشذوات، جعل يراوح القوم القتال ويغاديهم، وقد رتب خاصة غلمانه في سميريات فجعل في كل سميرية اثنين منهم ثم أن سليمان استعد وحشد وجمع وفرق أصحابه فجعلهم في ثلاثة أوجه: فرقة أتت من نهر أبان، وفرقة من برتمرتا، وفرقة من بردودا، فلقيهم أبو العباس، فلم يلبثوا أن انهزموا، فخلفت طائفة منهم بسوق الخميس وطائفة بمازروان، وأخذ قوم منهم في برتمرتا وآخرون أخذوا الماديان، وقوم منهم اعتصموا للقوم الذين سلكوا الماديان، فلم يرجع عنهم حتى وافى نهر برمساور، ثم انصرف، فجعل يقف على القرى والمسالك، ومعه الأدلاء، حتى وافى عسكره، فأقام به مريحا نفسه وأصحابه ثم أتاه مخبر فأخبره ان