وقد اجتمع أكثر العرب من أقطار من عربة إلى حضور، فخندق الفريقان، وضرب بختنصر كمينا- وذلك أول كمين كان فيما زعم- ثم نادى مناد من جو السماء: يا لثارات الأنبياء! فأخذتهم السيوف من خلفهم ومن بين أيديهم، فندموا على ذنوبهم، فنادوا بالويل، ونهي عدنان عن بختنصر ونهي بختنصر عن عدنان، وافترق من لم يشهد حضور، ومن أفلت قبل الهزيمة فرقتين: فرقة أخذت إلى ريسوب وعليهم عك، وفرقة قصدت لوبار وفرقة حضر العرب، قَالَ: وإياهم عنى الله بقوله: «وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً» ، كافرة الأهل، فإن العذاب لما نزل بالقرى وأحاط بهم في آخر وقعة ذهبوا ليهربوا فلم يطيقوا الهرب، «فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا» انتقامنا منهم «إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ» يهربون، قد أخذتهم السيوف من بين أيديهم ومن خلفهم «لا تَرْكُضُوا» لا تهربوا «وَارْجِعُوا إِلى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ» الى العيشه على النعم المكفورة «وَمَساكِنِكُمْ» مصيركم «لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ» .
فلما عرفوا أنه واقع بهم أقروا بالذنوب، فقالوا:«يَا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ» ، موتى وقتلى بالسيف فرجع بختنصر إلى بابل بما جمع من سبايا عربة فألقاهم بالأنبار، فقيل أنبار العرب، وبذلك سميت الأنبار، وخالطهم بعد ذلك النبط فلما رجع بختنصر مات عدنان وبقيت بلاد العرب خرابا حياة بختنصر، فلما مات بختنصر خرج معد بن عدنان معه الأنبياء، أنبياء بني إسرائيل صلوات الله عليهم حتى أتى مكة فأقام أعلامها، فحج وحج الأنبياء معه، ثم خرج معد حتى أتى ريسوب فاستخرج أهلها، وسأل عمن بقي من ولد الحارث بن مضاض الجرهمي، وهو الذي قاتل دوس العتق، فأفنى أكثرهم جرهم على يديه، فقيل له: بقي جوشم بن جلهمة، فتزوج معد ابنته معانة، فولدت له نزار بن معد