قال محمد بن شعيب: فدعاني أبو العباس، فقال لي: أنه لا بد لي من دخول سوق الخميس، فقلت: إن كنت لا بد فاعلا ما تذكر فلا تكثر عدد من تحمل معك في الشذا، ولا تزد على ثلاثة عشر غلاما عشرة رماة وثلاثة في أيديهم الرماح، فإني أكره الكثرة في الشذا مع ضيق النهر، فاستعد أبو العباس لذلك، وسار إليه ونصير بين يديه حتى وافى فم برمساور، فقال له نصير: قدمني أمامك، ففعل ذلك، فدخل نصير في خمس عشرة شذاة.
واستأذنه رجل من قواد الموالي يقال له موسى دالجويه في التقدم بين يديه، فأذن له، فسار وسار أبو العباس حتى انتهى به مسيره إلى بسامي، ثم إلى فوهة براطق ونهر الرق والنهر الذي ينفذ إلى رواطا وعبدسي، وهذه الأنهار الثلاثة تؤدي إلى ثلاث طرق مفترقة، فأخذ نصير في طريق نهر براطق وهو النهر المؤدي إلى مدينة سليمان بن موسى الشعراني التي سماها المنيعة بسوق الخميس.
وأقام أبو العباس على فوهة هذا النهر، وغاب عنه نصير حتى خفي عنه خبره.
وخرج علينا في ذلك الموضع من الزنج خلق كثير، فمنعونا من دخول النهر، وحالوا بيننا وبين الانتهاء إلى السور- وبين هذا الموضع الذي انتهينا إليه والسور المحيط بمدينة الشعراني مقدار فرسخين- فأقاموا هناك يحاربوننا، واشتدت الحرب بيننا وبينهم وهم على الأرض، ونحن في السفن من أول النهار إلى وقت الظهر، وخفي علينا خبر نصير، وجعل الزنج يهتفون بنا: قد أخذنا نصيرا ماذا تصنعون؟ ونحن تابعوكم حيثما ذهبتم فاغتم أبو العباس لما سمع منهم هذا القول، فأستاذنه محمد بن شعيب في المسير ليتعرف خبر نصير، فأذن له، فمضى في سميرية بعشرين جذافا حتى وافى نصيرا أبا حمزة، وقد قرب من سكر كان الفسقة سكروه، ووجده قد أضرم النار فيه وفي مدينتهم، وحارب حربا شديدا ورزق الظفر بهم، وكان الزنج ظفروا ببعض شذوات أبي حمزة، فقاتل حتى انتزع ما كانوا أخذوا من أيديهم، فرجع محمد بن شعيب إلى أبي العباس، فبشره بسلامة نصير ومن معه، وأخبره خبره فسر بذلك وأسر نصير يومئذ من الزنج جماعة كثيرة، ورجع حتى وافى أبا العباس بالموضع الذي كان واقفا به فلما رجع نصير قال أبو العباس: لست زائلا عن موضعي