لما اجتمع زيرك ونصير بدجلة العوراء انحدرا حتى وافيا الأبلة، فاستأمن إليهما رجل من أصحاب الخبيث، فأعلمهما أن الخبيث قد أنفذ عددا كثيرا من السميريات والزواريق والصلاغ مشحونة بالزنج، يرأسهم رجل من أصحابه، يقال له محمد بن إبراهيم، يكنى أبا عيسى، ومحمد بن إبراهيم هذا رجل من أهل البصرة، كان جاء به رجل من الزنج عند خراب البصرة يقال له يسار، كان على شرطة الفاسق، فكان يكتب ليسار على ما كان يلي حتى مات، وارتفعت حال أحمد بن مهدي الجبائي عند الخبيث، فولاه أكثر أعماله، وضم محمد بن إبراهيم هذا إليه، فكان كاتبه إلى أن هلك الجبائي- فطمع محمد بن إبراهيم هذا في مرتبته، وأن يحله الخبيث محل الجبائي، فنبذ الدواة والقلم، ولبس آلة الحرب، وتجرد للقتال، فأنهضه الخبيث في هذا الجيش، وأمره بالاعتراض في دجلة لمدافعة من يردها من الجيوش، فكان في دجلة أحيانا، وأحيانا يأتي بالجمع الذي معه إلى النهر المعروف بنهر يزيد، ومعه في ذلك الجيش شبل بن سالم وعمرو المعروف بغلام بوذى وأجلاد من السودان وغيرهم، فاستأمن رجل كان في ذلك الجيش إلى زيرك ونصير، وأخبرهما خبره، وأعلمهما أن محمد بن إبراهيم على القصد لسواد عسكر نصير، ونصير يومئذ معسكر بنهر المرأة، وأنهم على أن يسلكوا الأنهار المعترضة على نهر معقل وبثق شيرين، حتى يوافوا الموضع المعروف بالشرطة، ليخرجوا من وراء العسكر فيكبوا على طرفيه، فرجع نصير عند وصول هذا الخبر إليه من الأبلة مبادرا إلى معسكره، وسار زيرك قاصدا لبثق شيرين، حتى صار من مؤخرة في موضع يعرف بالميشان، وذلك أنه قدر أن محمد بن إبراهيم ومن معه يأتون عسكر نصير من ذلك الطريق، فكان ذلك كما ظن، ولقيهم في طريقهم فوهب الله له العلو عليهم بعد صبر منهم له ومجاهدة شديدة، فانهزموا ولجئوا إلى النهر الذي كانوا وضعوا الكمين فيه، وهو نهر يزيد، فدل زيرك عليهم، فتوغلت عليهم سميرياته وشذواته، فقتل منهم طائفة، وأسر طائفة، وكان ممن ظفر به منهم محمد بن إبراهيم المكنى أبا عيسى وعمرو المعروف بغلام بوذى، وأخذ