فلما ورد الرسول بالكتاب على بشتاسب، جمع إليه أهل بيته وعظماء أهل مملكته، وفيهم جاماسف عالمهم وحاسبهم، وزرين بن لهراسب فكتب بشتاسب إلى ملك الترك كتابا غليظا جواب كتابه، آذنه فيه بالحرب، وأعلمه أنه غير ممسك عنه إن أمسك فسار بعضهما إلى بعض، مع كل واحد منهما من المقاتلة ما لا يحصى كثرة، ومع بشتاسب يومئذ زرين اخوه ونسطور ابن زرين وإسفنديار وبشوتن ابنا بشتاسب، وآل لهراسب جميعا، ومع خرزاسف وجوهرمز وأندرمان أخواه وأهل بيته، وبيدرفش الساحر، فقتل في تلك الحروب زرين، واشتد ذلك على بشتاسب، فأحسن الغناء عنه ابنه إسفنديار، وقتل بيدرفش مبارزة، فصارت الدبرة على الترك، فقتلوا قتلا ذريعا، ومضى خرزاسف هاربا، ورجع بشتاسب إلى بلخ، فلما مضت لتلك الحروب سنون سعى على إسفنديار رجل يقال له قرزم، فأفسد قلب بشتاسب عليه، فندبه لحرب بعد حرب، ثم أمر بتقييده وصيره في الحصن الذي فيه حبس النساء، وشخص بشتاسب إلى ناحية كرمان وسجستان، وصار منها الى جبل يقال له طميذر لدراسة دينه والنسك هناك، وخلف لهراسب أباه مدينة بلخ شيخا قد أبطله الكبر، وترك خزائنه وأمواله ونساءه مع خطوس امرأته، فحملت الجواسيس الخبر الى خزاسف، فلما عرف جمع جنودا لا يحصون كثرة، وشخص من بلاده نحو بلخ، وقد أمل أن يجد فرصة من بشتاسب ومملكته فلما انتهى إلى تخوم ملك فارس قدم أمامه جوهرمز أخاه- وكان مرشحا للملك بعده في جماعة من المقاتلة كثيرة- وأمره أن يغذ السير حتى يتوسط المملكة ويوقع بأهلها، ويغير على القرى والمدن، ففعل ذلك جوهرمز، وسفك الدماء واستباح من الحرم ما لا يحصى، واتبعه خرزاسف فأحرق الدواوين، وقتل لهراسف والهرابذة، وهدم بيوت النيران، واستولى على الأموال والكنوز، وسبى ابنتين لبشتاسب، يقال لإحداهما:
خماني، وللأخرى باذافره، وأخذ- فيما أخذ- العلم الأكبر الذي كانوا يسمونه