مراكب البحر، وقد كانت انقطعت لقطع الفاسق وأصحابه سبلها قبل ذلك بأكثر من عشر سنين، وبنى أبو أحمد مسجد الجامع، وأمر الناس بالصلاة فيه، واتخذ دور الضرب، فضرب فيها الدنانير والدراهم، فجمعت مدينة أبي أحمد جميع المرافق، وسيق إليها صنوف المنافع حتى كان ساكنوها لا يفقدون بها شيئا مما يوجد في الأمصار العظيمة القديمة، وحملت الأموال، وأدر للناس العطاء في أوقاته، فاتسعوا وحسنت أحوالهم، ورغب الناس جميعا في المصير إلى المدينة الموفقية والمقام فيها.
وكان الخبيث بعد ليلتين من نزول أبي أحمد مدينته الموفقية أمر بهبوذ بن عبد الوهاب، فعبر والناس غارون في سميريات إلى طرف عسكر أبي حمزة، فأوقع به، وقتل جماعة من أصحابه، وأسر جماعة، وأحرق كوخات كانت لهم قبل أن يبني الناس هنالك فأمر أبو أحمد نصيرا عند ذلك بجمع أصحابه، وألا يطلق لأحد مفارقة عسكره، وأن يحرس أقطار عسكره بالشذا والسميريات والزواريق فيها الرجالة إلى آخر ميان روذان والقندل وأبرسان، للإيقاع بمن هنالك من أصحاب الفاسق.
وكان بميان روذان من قواده أيضا إبراهيم بن جعفر الهمداني في أربعة آلاف من الزنج، ومحمد بن أبان المعروف بأبي الحسن أخو علي بن أبان بالقندل في ثلاثة آلاف، والمعروف بالدور في ابرسان في الف وخمسمائة من الزنج والجبائيين، فبدأ أبو العباس بالهمداني فأوقع به، وجرت بينهما حروب، قتل فيها خلق كثير من أصحاب الهمداني، وأسر منهم جماعة، وأفلت الهمداني في سميرية قد كان أعدها لنفسه، فلحق فيها بأخي المهلبي المكنى بأبي الحسن، واحتوى أصحاب أبي العباس على ما كان في أيدي الزنج وحملوه إلى عسكرهم.
وقد كان أبو أحمد تقدم إلى ابنه أبي العباس في بذل الأمان لمن رغب فيه، وأن يضمن لمن صار إليه الإحسان، فصار إليه طائفة منهم في الأمان فآمنهم، فصار بهم إلى أبيه، فأمر لكل واحد منهم من الخلع والصلات على أقدارهم في أنفسهم، وأن يوقفوا بإزاء نهر أبي الخصيب ليعاينهم أصحابهم وأقام