الخبيث وأصحابه المير من الوجوه كلها، وانسد عليهم كل مسلك كان لهم، فأضر بهم الحصار، وأضعف أبدانهم، فكان الأسير منهم يؤسر، والمستأمن يستأمن، فيسأل عن عهده بالخبز، فيعجب من ذلك، ويذكر أن عهده بالخبز مذ سنة وسنتين فلما صار أصحاب الخائن إلى هذه الحال، رأى الموفق أن يتابع الإيقاع بهم، ليزيدهم بذلك ضرا وجهدا، فخرج إلى أبي أحمد في هذا الوقت في الأمان خلق كثير، واحتاج من كان مقيما في حيز الفاسق إلى الحيلة لقوته، فتفرقوا في القرى والأنهار النائية عن معسكرهم في طلب القوت، فتأدى الخبر بذلك إلى أبي أحمد، فأمر جماعة من قواد غلمانه السودان وعرفائهم بأن يقصدوا المواضع التي يعتادها الزنج، وأن يستميلوهم ويستدعوا طاعتهم، فمن أبى الدخول منهم في ذلك قتلوه وحملوا رأسه، وجعل لهم جعلا، فحرصوا وواظبوا على الغدو والرواح، فكانوا لا يخلون في يوم من الأيام من جماعة يجلبونهم، ورءوس يأتون بها، وأسارى يأسرونهم.
قال محمد بن الحسن: قال محمد بن حماد: ولما كثر أسارى الزنج عند الموفق، أمر باعتراضهم، فمن كان منهم ذا قوة وجلد ونهوض بالسلاح من عليه، وأحسن إليه، وخلطه بغلمانه السودان، وعرفهم ما لهم عنده من البر والإحسان، ومن كان منهم ضعيفا لا حراك به، أو شيخا فانيا لا يطيق حمل السلاح، أو مجروحا جراحة قد أزمنته، أمر بأن يكسى ثوبين، ويوصل بدراهم، ويزود ويحمل إلى عسكر الخبيث، فيلقى هناك بعد ما يؤمر بوصف ما عاين من إحسان الموفق إلى كل من يصير إليه، وأن ذلك رأيه في جميع من يأتيه مستأمنا ويأسره منهم، فتهيأ له من ذلك ما أراد من استمالة أصحاب صاحب الزنج، حتى استشعروا الميل إلى ناحيته والدخول في سلمه وطاعته، وجعل الموفق وابنه أبو العباس يغاديان حرب الخبيثة ومن معه، ويراوحانها بأنفسهما ومن معهما، فيقتلان ويأسران ويجرحان، وأصاب أبا العباس في بعض تلك الوقعات سهم جرحه فبرأ منه.