للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ودور أصحابه، فتسهل ما كان يصعب بعد محاربة طويلة وشدة، فهدم البناء الذي كان الخبيث سماه مسجدا، ووصل إلى منبره فاحتمل، فأتي به الموفق، وانصرف به إلى مدينته الموفقية جذلا مسرورا ثم عاد الموفق لهدم السور فهدمه من حد الدار المعروفة بأنكلاي إلى الدار المعروفة بالجبائي.

وأفضى أصحاب الموفق إلى دواوين من دواوين الخبيث وخزائن من خزائنه، فانتهبت وأحرقت، وكان ذلك في يوم ذي ضباب شديد، قد ستر بعض الناس عن بعض، فما يكاد الرجل يبصره صاحبه فظهر في هذا اليوم للموفق تباشير الفتح، فإنهم لعلى ذلك، حتى وصل سهم من سهام الفسقة إلى الموفق، رماه به غلام رومي كان مع الفاسق يقال له قرطاس، فأصابه في صدره، وذلك في يوم الاثنين لخمس بقين من جمادى الأولى سنة تسع وستين ومائتين، فستر الموفق ما ناله من ذلك السهم، وانصرف الى المدينة مع الموفقية، فعولج في ليلته تلك من جراحته، وبات ثم عاد إلى الحرب على ما به من الم الجراح، يشد بذلك قلوب أوليائه من أن يدخلها وهم أو ضعف، فزاد ما حمل نفسه عليه من الحركة في قوة علته، فغلظت وعظم امرها حتى خيف عليه، واحتاج إلى علاجه بأعظم ما يعالج به الجراح، واضطرب لذلك العسكر والجند والرعية، وخافوا قوة الفاسق عليهم، حتى خرج عن مدينته جماعة ممن كان مقيما بها، لما وصل إلى قلوبهم من الرهبة، وحدثت في حال صعوبة العلة عليه حادثة في سلطانه، فأشار عليه مشيرون من أصحابه وثقاته بالرحلة عن معسكره إلى مدينة السلام، ويخلف من يقوم مقامه، فأبى ذلك، وخاف أن يكون فيه ائتلاف ما قد تفرق من شمل الخبيث فأقام على صعوبة علته عليه، وغلظ الأمر الحادث في سلطانه، فمن الله بعافيته، وظهر لقواده وخاصته، وقد كان أطال الاحتجاب عنهم، فقويت بذلك منتهم، وأقام متماثلا مودعا نفسه إلى شعبان من هذه السنة، فلما أبل وقوي على النهوض لحرب الفاسق، تيقظ لذلك، وعاود ما كان مواظبا عليه من الحرب، وجعل الخبيث لما صح عنده

<<  <  ج: ص:  >  >>