فهدموا من السور ما كان يلي ذلك النهر، وصعد المقاتله وولجوا النهر، فقتلوا فيه مقتلة عظيمة، وانتهوا إلى قصور من قصور الفسقة، فانتهبوا ما كان فيها وأحرقوها، واستنقذوا عددا من النساء اللواتي كن فيها، وأخذوا خيلا من خيل الفجرة، فحملوها إلى غربي دجلة، فانصرف الموفق في وقت غروب الشمس بالظفر والسلامة، وغاداهم الحرب والقصد لهدم السور، فأسرع فيه حتى اتصل بدار المعروف بأنكلاي، وكانت متصلة بدار الخبيث، فلما أعيت الحيل الخبيث في المنع من هدم السور، ودفع أصحاب الموفق عن ولوج مدينته، أسقط في يديه، ولم يدر كيف يحتال لحسم ذلك، فأشار عليه علي بن أبان المهلبي بإجراء الماء على السباخ التي يسلكها أصحاب الموفق لئلا يجدوا إلى سلوكها سبيلا، وأن يحفر خنادق في مواضع عدة يعوقهم بها عن دخول المدينة، فإن حملوا أنفسهم على اقتحامها فوقعت عليهم هزيمة، لم يسهل عليهم الرجوع إلى سفنهم، ففعلوا ذلك في عدة مواضع من مدينتهم، وفي الميدان الذي كان الخبيث جعله طريقا حتى انتهت تلك الخنادق إلى قريب من داره فراى الموفق بعد ما هيأ الله له من هدم سور مدينة الفاسق ما هيأ أن جعل قصده لطم الخنادق والأنهار والمواضع المعورة كي تصلح فيها مسالك الخيل والرجالة فرام ذلك، فحامى عنه الفسقة ودامت الحرب وطالت ووصل إلى الفريقين من القتل والجراح أمر عظيم، حتى لقد عد الجرحى في بعض تلك الأيام زهاء ألفي جريح، وذلك لتقارب الفريقين في وقت القتال، ومنع الخنادق كل فريق منهم عن إزالة من بإزائه عن موضعهم.
فلما رأى ذلك الموفق قصد لإحراق دار الخبيث والهجوم عليها من دجلة، وكان يعوق عن ذلك كثرة ما أعد الخبيث من المقاتلة والحماة عن داره، فكانت الشذا إذا قربت من قصره رموا من سوره ومن أعلى القصر بالحجارة والنشاب والمقاليع والمجانيق والعرادات، وأذيب الرصاص، وأفرغ عليهم، فكان إحراق داره يتعذر عليهم لما وصفنا، فأمر الموفق بإعداد ظلال من خشب