إلى زوجها دارا الأكبر، فلما وجد نتن ريحها وعرقها وسهكها، أمر أن يحتال لذلك منها، فاجتمع رأي أهل المعرفة في مداواتها على شجرة يقال لها بالفارسية سندر، فطبخت لها فغسلت بها وبمائها، فأذهب ذلك كثيرا من ذلك النتن، ولم يذهب كله، وانتهت نفسه عنها لبقية ما بها، وعافها وردها إلى أهلها، وقد علقت منه فولدت غلاما في أهلها، فسمته باسمها واسم الشجرة التي غسلت بها، حتى أذهبت عنها نتنها: هلاي سندروس، فهذا أصل الإسكندروس.
قَالَ: وهلك دارا الأكبر، وصار الملك إلى ابنه دارا الأصغر، وكانت ملوك الروم تؤدي الخراج إلى دارا الأكبر في كل سنة، فهلك أبو هلاي ملك الروم جد الإسكندر لأمه، فلما صار الملك لابن ابنته بعث دارا الأصغر إليه للعادة: إنك أبطأت علينا بالخراج الذي كنت تؤديه ويؤديه من كان قبلك، فابعث إلينا بخراج بلادك وإلا نابذناك المحاربة فرجع إليه جوابه: أني قد ذبحت الدجاجة، وأكلت لحمها، ولم يبق لها بقية، وقد بقيت الأطراف، فإن أحببت وادعناك، وإن أحببت ناجزناك فعند ذلك نافره دارا وناجزه القتال، وجعل الإسكندر لحاجبي دارا حكمها على الفتك به، فاحتكما شيئا، ولم يشترطا أنفسهما، فلما التقوا للحرب، طعن حاجبا دارا دارا في الوقعة، فلحقه الإسكندر صريعا، فنزل إليه وهو بآخر رمق، فمسح التراب عن وجهه ووضع رأسه في حجره، ثم قَالَ له: إنما قتلك حاجباك، ولقد كنت أرغب بك يا شريف الأشراف وحر الأحرار وملك الملوك، عن هذا المصرع، فأوصني بما أحببت فأوصاه دارا أن يتزوج ابنته روشنك، ويتخذها لنفسه ويستبقي أحرار فارس، ولا يولى عليهم غيرهم فقبل وصيته وعمل بأمره، وجاء اللذان قتلا دارا إلى الإسكندر فدفع إليهما حكمهما، ووفى لهما ثم قَالَ لهما: قد وفيت لكما كما اشترطتما ولم تكونا اشترطتما أنفسكما، فأنا قاتلكما، فإنه ليس ينبغي لقتلة الملوك أن يستبقوا إلا بذمة لا تخفر فقتلهما