واجرى الأمور احسن مجاريها، وامر الا يطالب احد بمصادره ولا غرم، ولا يعرض لصنائع احد، حتى اقر احمد بن جانى على ما كان يتقلده من ديوان اقطاع الوزراء، واجلس ابراهيم بن أيوب النصراني كاتب على بن عيسى بين يديه على رسمه، واقره على ديوان الجهبذه، وضمن امر الرجاله المصافيه الملازمين لدار الخليفة، وقد بلغت نوبتهم عشرين ومائه الف دينار في كل هلال فاستبشر الناس به، وسكنوا اليه، وأمنوا وانفسحت آمالهم، واتسعت هممهم، وتباشروا بأيامه ثم خلع في غره جمادى الاولى على ابى القاسم وابى الحسين وابى الحسن بنى ابى على محمد بن على الوزير لتقلد الدواوين، ثم خلع على محمد بن على بعد ذلك لتكنيه امير المؤمنين اياه.
قال الصولي: ولا اعلم انه ولى الوزارة احد بعد عبيد الله بن يحيى بن خاقان مدح من الاشعار باكثر مما مدح به محمد بن على قبل الوزارة، وفي الوزارة، وبعد ذلك لشهرته في الشعر، وعلمه به واثابته عليه وظهر من ذكاء ابنه ابى الحسين واستقلاله بالأعمال، وتصرفه في الآداب وحسن بلاغته وخطه ما تواصفه الناس، وكان اكثر ذلك في وزارته الثانيه، حين انفجر عليه الشباب، وزالت الطفوله عنه قال: وما رأينا وزيرا مذ توفى القاسم بن عبيد الله احسن حركه ولا اظرف اشاره ولا اصلح خطا، ولا اكثر حفظا، ولا اسلط قلما، ولا اقصد بلاغه، ولا آخذ بقلوب الخلفاء من محمد بن على وله بعد هذا كله علم بالاعراب وحفظ باللغة وشعر مليح وتوقيعات حسان وولى الوزير ابنه أبا القاسم ديوان زمام القواد مكان عبيد الله بن محمد، وقلد ابنه أبا عيسى ديوان الضياع المقبوضة عن أم موسى والموروثه عن الخدم، واقر إسحاق بن اسماعيل على ما كان ضامنا له من اعمال واسط، وغير ذلك.
وفي هذه السنه رجع القرمطى الى الكوفه، فخرج اليه نصر الحاجب محتسبا وانفق من ماله مائه الف دينار الى ما اعطاه السلطان، واعانه به واجتهد في لقاء القرمطى ونصحه الجيش الذين كانوا معه، وحسنت نياتهم في محاربه القرمطى.
فاعتل نصر في الطريق، ومات في شهر رمضان، فحمل الى بغداد في تابوت وولى الحجابه مكانه ابو الفوارس ياقوت مولى المعتضد، وهو إذ ذاك امير فارس، فاستخلف له ابنه ابو الفتوح الى ان يوافى ياقوت.