عثمان بن عفان رضى الله عنه ولا الزم نفسي حجه، لا آتى في سفك الدماء ما نهى الله عنه الا في المواطن التي حدها الله في الكافرين والبغاة من المسلمين ولست استنصر الا بالله، لما اؤمله من الفوز في الآخرة، وإِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ.
فلما قرئ كتاب المقتدر في العسكر وثب وجوه الجيش، وقالوا: نمضي الى دار الخليفة لنسمع منه ما يقول وبلغ ذلك المقتدر، فاخرج عن الدار كل من كان يحمل سلاحا، وجلس على سريره، وفي حجره مصحف يقرا فيه، واقام بنيه حوالى نفسه، وامر بفتح الأبواب، والا يمنع احد الدخول فلما علم ذلك مؤنس المظفر اقبل الى باب الخاصة ليعرف الحقيقة، ويستقرب مراسله الخليفة ثم كره ان يدخل عليه فيحدث من الأمر مالا يتلافاه فامر الحجاب بان يرجعوا الى الدار، والزم معهم قوما من اصحابه، وصرف الناس الى منازلهم على حال جميله، وكلهم مسرور بالسلامة، ورجع هو الى داره ليزيد بذلك في تسكين الناس وتطييب نفس الخليفة، وذلك يوم الاثنين لعشر خلون من المحرم.
فلما كان يوم الخميس لثلاث عشره خلت منه عاد اصحاب نازوك وسائر الفرسان الى الركوب في السلاح، وساروا الى دار مؤنس المظفر فاخرجوه عن كره منه الى المصلى العتيق، وغلبه نازوك على التدبير، واستأثر بالأمر، وباتوا في تلك الليلة على هذه الحال فلما اصبح نازوك ركب والناس معه في السلاح الى دار السلطان، فوجدوا الأبواب مغلقة، فاحرقوا بعضها ودخلوا الدار، وقد تكامل على بابها من الفرسان نحو اثنى عشر ألفا فلما سمع المقتدر نفيرهم دخل هو وولده داخل القصر، ونزل محمد بن مقله الى دجلة، فركب طيارة، وصار الى منزله، وتقحم نازوك واصحابه دخول الدار على دوابهم الى ان صاروا الى مجالس الخليفة، وهم يطلبونه ويكشفون عنه فلما راى مؤنس ذلك دخل الدار، وسال بعض الخدم عن المقتدر، فاعلمه بمكانه، فاحتال في اخراجه واخراج أمه وولده ووجه معهم ثقاته الى داره ليستتروا فيها، واخرج على بن عيسى من المكان الذى كان محبوسا فيه، فصرفه الى منزله، واخرج الحسين بن روح- وكان محبوسا أيضا بسبب مال طولب به-